آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خالد الجيوسي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي فلسطيني

أمريكا تُحرِّض السعوديين من قلب عاصمة نظام الحُكم..

 

خالد الجيوسي

بعد تغريدة السِّفارة الأمريكيّة في الرياض، والمُثيرة للريبة في توقيتها للسعوديين أنفسهم، انقسمت الآراء في الداخل السعوديّ حول “تفسير” تلك التغريدة “الغامضة”، والتي قالت: “شاهدوا الفيديو: اكتشفوا كيف يُمكن أن تؤدّي الاحتجاجات السلميّة إلى تغييراتٍ اجتماعيّة، وسياسيّة إيجابيّة، تُشير الأبحاث إلى أنّه في الفترة ما بين العام 1999، والعام 2006، كانت الاحتجاجات السلميّة الخالية من العُنف فعّالةً بأكثر من ضعف فعالية الاحتجاجات العنيفة”.

المُتفائلون أو أصحاب الرأي الأوّل، وجدوا أن التغريدة، لم يرد فيها أي تحريض مُباشر للسعوديين، بحيث لم ترد فيها أي كلمات تقول للمُواطن السعودي أنّ عليه التظاهر ضد حُكومته، وإنّما هي شرح تفسيري للفُروقات بين التظاهر السلمي، والعنيف، وتأتي في توقيت تظاهر فيه الفرنسيون، الأردنيون، اللبنانيون، والسودانيون، وقد تكون هذه رسالة إلى هؤلاء، في كيفيّة مُمارسة التعبير السِّلمي، للحُصول على حُقوقهم السياسيّة، والاجتماعيّة.

الأقل تفاؤلاً أصحاب الرأي الثاني، اعتبروا أن حليفتهم الولايات المتحدة الأمريكيّة، مُستغلّة للفُرص، وربّما تُريد تحريك الشارع السعودي ضِد نظام بلاده في ظِل انتقال “عدوى” ثورات الشعوب، والتي كانت قد انتقلت تِباعاً من تونس، ومرّت بمصر، وسورية، وليبيا، لكن يقول أصحاب هذا الرأي، أن بلادهم مُحصَّنة من التظاهرات إن كانت سلميّةً أم عنيفة، بدليل دعوات “افتراضيّة” مُماثلة كانت قد دعت لها المُعارضة السعوديّة، ولم يستجب لها الشارع السعودي.

بالنَّظر إلى الأوضاع الداخليّة والخارجيّة للعربيّة السعوديّة، لا تبدو المملكة، مُحصَّنةً ذلك التحصين، الذي يحميها من “مؤامرة” أمريكيّة، قد تعصف بأمان جبهتها الداخليّة، فعلى الصعيد الخارجيّ، لا تزال ملفّات مثل اليمن، وقطر عالقةً بلا حُلول نهائيّة، أمّا على الصَّعيد الداخلي وهو الأهم فيما يتعلّق بمظاهرات سلميّة أو عنيفة، فسياسات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أو “رؤيته 2030 كما يقول مُنتقدون، دفعت بالاقتصاد إلى الهاوية، بدليل إغلاق القطاعات، ورحيل العمالة، وارتفاع نسب البطالة، بدلاً من انخفاضها، هذا عدا سياسات القمع التي طالت جميع النخب السياسيّة والاقتصاديّة، وحتى أُمراء العائلة الحاكمة، تحت عناوين التآمر الخارجي، ومُحاربة الفساد.

الولايات المتحدة الأمريكيّة، ليست على وفاقٍ تام مع نظام المملكة القائم بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، أو الحاكم الفعلى الأمير محمد بن سلمان، على خلفيّة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، و”إجماع″ مجلس الشيوخ الأمريكي على “إدانة” الأمير بن سلمان في إجماعٍ لافتٍ على تورّط الأمير بمقتل خاشقجي في قنصليّة بلاده، والتغريدة غامضة ومُريبة التوقيت، تدعو السعوديين إلى مُشاهدة فيديو عن تأثير التظاهر السلمي في جلب الحُقوق، في بلد تتعامل حُكومته مع أصحاب الرأي بالاعتقال، والإعدام، وحتى التقطيع والتذويب، فكيف بالتظاهر العلني بغض النظر إن كان سلميّاً أو عنيفاً!

العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، كان حكيماً بل غايةً في الحِكمة، حين واجه موجة الثورات العربيّة التي اجتاحت البلاد المُجاورة لبلاده في حينها العام 2011، بإعلان سلسلة من العلاوات، والمُكافآت، والبدلات، والرفاهيّة الاقتصاديّة هي العُنوان الأبرز التي كان يحرص عليها المُواطن السعودي، بل يُباهي بها بين الدول الأُخرى، مع أهميّة الإشارة إلى أن الملك المذكور الراحل، لم يركن إلى فكرة الاعتماد أن شعب بلاده لا يُمكن له الخروج في الشوارع العامّة، والتظاهر ضد حُكومته، وإلا لم يكن قد كلّف خزينة بلاده مليارات الريالات، لشِراء الرِّضا والصَّمت.

الفارق هذه الأيّام، مهول، وواضح، ولا يحتاج إلى مُقارنة، فالشارع السعودي على الأقل “افتراضيّاً” إلى الآن يشكو ارتفاع الأسعار، والبنزين تحديداً، كما فرض قيمة الضريبة المُضافة، هذا عدا عن ارتفاع نسب البطالة، وإفلاس القطاعات نتاج سياسة السعودة، وتوقّف العديد من المشاريع، وتحوّل بعضها إلى حبر على ورق.

صحيح أن السفارة الأمريكيّة لم تدع حرفيّاً السعوديين النزول إلى الشوارع، وقد تبدو التغريدة اعتياديّةً لو صدرت مثلاً عن سفارة أمريكا في إسبانيا، لكنّها صادرة عن سفارتها في العاصمة السعوديّة الرياض، أي قلب عاصمة نظام الحُكم السعودي.

الولايات المتحدة الأمريكيّة، تُدرك أو تثق كُل الثِّقة أن تعامل السلطات السعوديّة مع أي تظاهرة حتى لو كانت سلميّة، وبالعشرات، سيكون عنيفاً، فعقليّة الدولة السعوديّة لا يُمكن لها تقبّل التعبير الديمقراطي فهو حرامٌ بالإجماع، وخُروج عن ولي الأمر، وعليه ستكون الكارثة التي تأمل أمريكا وقوعها من الدعوة المُبطّنة للتظاهرات، وهي احتكاك السلطات بمُواطنيها، ووقوع قتلى لاحقاً، علّ وعسى تنتقل التظاهرات وتشمل جميع مناطق المملكة.

المُفارقة في كُل هذا، أنّ الأمير محمد بن سلمان، كان يتحضّر لقيادة الحرب ضد إيران، وقد بدأت بالفِعل حين انتقلت عدوى المظاهرات إلى داخلها كما كان قد وعد، وفشلت مع مُرور الأيّام، لكن ما هو الرد والحال في حال قرّرت حليفته نقل التظاهرات إلى عاصمة بلاده، أو على الأقل إيجاد البديل السعودي الذي “يصلح” لأن يقود الحرب ضد إيران!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/12/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد