آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

ثمانية أعوام على الاجتياح السعودي – الإماراتي للبحرين


د. سعيد الشهابي

 
عندما اتخذت المملكة العربية السعودية في مثل هذه الأيام قبل ثمانية أعوام قرار إرسال قواتها إلى البحرين كان قادتها يعلمون أن قرارهم قد يؤدي لتوتر في العلاقات مع الدول الغربية الصديقة خصوصا أمريكا وبريطانيا، وفي الوقت نفسه كانوا يدركون أن السماح بأي تغيير في الأوضاع الداخلية لأي بلد عضو بمجلس التعاون الخليجي سوف تكون له تبعات اقليمية غير قليلة. يومها كان الوضع العربي متأرجحا بين التحول الديمقراطي أو العودة إلى أوضاع داخلية أسوأ مما كانت عليه قبل أن يقدم الشاب التونسي، محمد بوعزيزي على حرق نفسه لإشعال ثورات الربيع العربي. وبرغم اللغط الذي يطرحه الكثيرون حول تلك الثورات، وإشارة البعض إلى «أيد أجنبية» وراءها إلا أن الحقيقة تؤكد أن ما حدث كان ردة فعل طبيعية ضد عقود من الاستبداد والركود والتخلف.

والسؤال هنا: هل تقاس الأمور بنتائجها أم بدوافعها؟ فما دامت الثورات قد اخفقت في تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، فقد تكالبت عليها الانتقادات، تارة بدفع طبيعي وأخرى بتوجيه من الامبراطوريات الإعلامية التي تديرها قوى الثورة المضادة. أيا كان الأمر فإن الصمت على ما جرى في الساعات الاولى من الرابع عشر من مارس / آذار 2011 وفر فرصة للتحالف السعودي – الإماراتي للتوصل لنتيجة مهمة: أن ذلك تعبير عن غياب الوعي والإرادة لدى قطاعات كبير من الأمة، وأن الفرصة مهيأة لتدشين عهد عربي جديد تهمش فيه الشعوب و «تستأسد فيه البغاث» وتمسك قيادة العالم العربي فيه قوى لا تمتلك من مستلزمات الهيمنة سوى ثلاثة: المال النفطي الهائل، غياب الموقف الدولي القادر على ردع التدخلات والاعتداءات، واستعداد العدو الصهيوني للولوج إلى عالم السياسة العربي من أوسع الأبواب بالانضمام إلى التحالف المذكور.

الصمت المذكور دفع ذلك التحالف للامعان في التصدي لمشاريع التغيير التي جاء بها الربيع العربي، فكانت الخطوة التالية إجهاض ثورة تونس بحصر التغيير بشخص الرئيس زين العابدين بن علي، ثم إجهاض ثورة مصر على المنوال نفسه، وذلك بحصر التغيير بعزل الرئيس حسني مبارك، ثم استهداف ثورة اليمن عبر ما سمي «المبادرة الخليجية» وذلك بإزاحة الرئيس علي عبد الله صالح واستبداله بنائبه، عبد ربه منصور هادي. بقيت الثورة السورية التي كانت ظروفها معقدة، فتم تحويلها نحو العنف وكان ذلك كافيا للقضاء عليها. وبدلا من تبلور ربيع عربي حقيقي تتفتح فيه ورود الحرية، تم تغيير مساراتها لتساهم في نمو التحالف السعودي – الإماراتي الذي أصبح صاحب القرار على مستوى الشرق الأوسط. 
فسرعان ما تم الانقضاض على مصر والإطاحة بأول رئيس منتخب، وتحويل البلد العربي الأكبر إلى جحيم لا يطاق من القمع والاستبداد على أيدي العسكر. وكان استهداف مصر بالشكل الذي حدث تعبيرا عن عداء التحالف السعودي – الإماراتي للمشروع الإسلامي بكافة وجوهه، وفي نظرهما فإن هذا المشروع تمثله على الصعيد العربي جماعة الإخوان المسلمين. وحيث أنها استطاعت الصعود إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، فقد اتخذ هذا التحالف قرارا آخر مشابها في جوهره لما فعلته في البحرين، ولكن مختلفا معه في أسلوب التنفيذ. وعندما أدى التغيير في اليمن إلى نتائج عكسية من وجهة نظر التحالف، وذلك بفتح المجال لصعود تيارات لا يقرها ذلك التحالف، انطلقت الحرب على اليمن في 26 مارس / آذار 2015، وهي حرب مدمرة ما يزال لهيبها يلتهم الأخضر واليابس، وقد مهدت لمجاعة غير مسبوقة تهدد حياة الملايين.

الصمت الذي صاحب التدخل السعودي ـ الإماراتي في البحرين ما يزال ساري المفعول. ولكن في الوقت نفسه فان مفاعيل هذا التداخل، وما تبعه من مشاركة فاعلة في حرب اليمن، أصبح عاملا ذا أثر سلبي على السعودية.

والسؤال هنا: هل حسمت معركة التغيير الإقليمي لصالح قوى الثورة المضادة بشكل كامل؟ للوهلة الأولى يبدو التحالف السعودي – الإماراتي قادرا على ممارسة دور يفوق حجم البلدين المشاركين فيه أضعافا. فالإمارات، تلك الدولة الصغيرة التي لم يمض على نشوئها سوى أقل من خمسين عاما، تشارك السعودية في احتلال اليمن والهيمنة على أجوائه وموانئه ومطاراته، وتحتفظ بحكومته في الرياض بعد أن سلبتها كافة الصلاحيات والاستقلال الذاتي.

قد يبدو للبعض أن التحالف المذكور قد أحكم السيطرة على اليمن، وأن لا مجال للتشكيك في هذه الهيمنة التي تتجلى مصاديقها في الوجود العسكري على أرض الواقع والسعي لتقسيم ذلك البلد، واستغلال الفرصة لمنح السعودية مبتغاها التاريخي بشق طريق بري إلى بحر العرب، السعودية في اليمن تسعى لتحقيق ما عجزت عنه الدبلوماسية، وذلك على غرار ما حدث في منطقة الخليج. فقد تمكنت السعودية من شق طريق لها إلى الخليج على الساحل الممتد ما بين الإمارات وقطر، بحيث عزلت هذين البلدين جغرافيا أحدهما عن الآخر.

وفي ظل تهميش حكومة هادي أصبح القرار اليمني محصورا باليد السعودية، بينما أصبح على الامارات ان تتلمس مواقع قدم لها في اليمن بعيدا عن الهيمنة السعودية. والسؤال هنا: هل استطاع التحالف السعودي ـ الإماراتي فرض أمر واقع لا يتغير؟

الصمت الذي صاحب التدخل السعودي – الإماراتي في البحرين ما يزال ساري المفعول. ولكن في الوقت نفسه فإن مفاعيل هذا التداخل، وما تبعه من مشاركة فاعلة في حرب اليمن، أصبح عاملا ذا أثر سلبي على السعودية، خصوصا في ظل حكمها الحالي الذي يسيطر عليه ولي عهدها، محمد بن سلمان. فقد استيقظ العالم خلال العام الماضي على أنات ضحايا العدوان على اليمن وانتشار الامراض واقتراب البلاد من المجاعة. وبدأت الأصوات المطالبة بوقف الحرب، خصوصا بعد أن أتضح فشل التحالف في تحقيق انتصارات تذكر. ثم جاءت جريمة قتل الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، لتفتح ملف النظام السياسي من أبشع الأبواب. وأخيرا أثيرت ضجة دولية حول اعتقال النساء الناشطات اللاتي ناضلن من أجل السماح للمرأة بقيادة السيارات وكذلك في مجال حقوق الإنسان. ومن على منبر مجلس حقوق الإنسان ارتفعت الأصوات يوم الخميس الماضي من ثلاثين دولة بينها كل دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين مطالبة السعودية بالإفراج عن 10 ناشطات والتعاون مع تحقيق تقوده الأمم المتحدة في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول. وكان هذا أول توبيخ يوجه للمملكة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة منذ تأسيسه عام 2006. وجاء في ظل تنامي القلق الدولي من انتهاك السعودية للحريات الأساسية كحرية التعبير. ودعا البيان المشترك إلى الإفراج عن لجين الهذلول وإيمان النجفان وعزيزة اليوسف ونسيمة السادة وسمر بدوي ونوف عبد العزيز وهتون الفاسي ومحمد البجادي وأمل الحربي وشدن العنزي. وقال هارالد أسبيلوند مبعوث أيسلندا إلى مكتب الأمم المتحدة في جنيف وهو يتلو البيان «نشعر تحديدا بالقلق بشأن استخدام قانون مكافحة الإرهاب وغيره من الأمور الخاصة بالأمن القومي بحق أفراد يمارسون حقوقهم وحرياتهم بشكل سلمي». كما دعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه للإفراج عن الناشطات المعتقلات بعد أن أشارت تقارير إلى تعرضهن للتعذيب. وهناك انتقادات كثيرة للامارات حول ملفها الحقوقي ومطالبات بالإفراج عن نشطاء مثل أحمد منصور ومحمد الركن وناصر بن غيث.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2019/03/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد