آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خالد الجيوسي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي فلسطيني

هذا السّبب الذي يمنع روسيا من تزويد سورية بالنّفط في أزَمَة الوقود ولكن هل بَطُل العَجَب؟.. ولماذا نعتقد أنّ سورية قدّمت أوّلاً خدَمات جليّة للرّوس وعليهم رد “جميلها”؟

 

خالد الجيوسي

بينما يصطفّ السوريون، بطوابيرٍ طويلةٍ، أملاً في الحُصول على (20) ليتراً من البنزين، وبدأ بعضهم يتخلّى عن سيّارته، ويستعيض بها بالمشي، أو حتى الحديث عن عودة العربات، التي تقودها الحمير، والجِمال في الشوارع كخيارات بديلة وعمليّة، لا تنفك المُعارضة السوريّة، بالشّماتة بهؤلاء الذين تصفهم بالمُوالين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتحديداً من زاوية تخلّي الحليف الروسي عن حليفه السوري، وفي ظِل عُقوبات أمريكيّة، وحِصار، أجبر الجميع على عدم تمرير حتى عُلبة بنزين إلى الداخل السوري، مُحقّون هُم، لكن بالطّبع ليس بالشّماتة بإخوانهم أبناء البلد الواحد.

الجميع بدون استثناء، مسؤولٌ عن هذه الأزمة، من مصر والرئيس عبد الفتاح السيسي الذي منع ناقلات النفط الإيرانيّة من العُبور إلى قناة السويس، إلى دول الخليج التي تقف مُتفرّجة على تلك الأزمة، بل ومُساهمة في مُفاقمتها وهي الدول النفطيّة، وأخيراً الأردن الذي يفتح حدوده مع السوريين، بقدر عدم إغضاب حليفه الأمريكي، الذي ينوي مُصادرة حقّه في وصايته الهاشميّة، وليس أقرب من سورية للمُساعدة، والمُساندة في حال “تمادت” القيادة الأردنيّة بموقفها الرافض من صفقة القرن، والتنازلات المطلوبة منها، وليس أسهل من أن يتم فرض حصار على المملكة الهاشميّة، وهي أصلاً لها يد “موجوعة” اقتصاديّاً، ونحن نستبعد أن يكون القرار السوري، كمثيله الأردني، في حال تبدّلت الأدوار، وهي ستتبدّل، ونحن على مشارف إعلان الصفقة بعد شهر رمضان، كما أعلن صاحبها أو عرّابها جاريد كوشنر، وفوز بنيامين نتنياهو بالانتخابات.

في التبعيّة للأمريكي، وأوامره، لا يُمكن الخوض كثيراً في التّفاصيل، فتلك الدول المذكورة لا تسطيع الذهاب بأبعد من أنفها في ذلك، فمثلاً الرئيس السيسي المُتآكلة شعبّيته، سيحصل على ختم المُوافقة الأمريكي من دونالد ترامب على التعديلات الدستوريّة لبقائه في الحُكم الأبدي دون مُعارضة، وهو الذي يمنع وصول ناقلات النفط إلى حليفة بلاده التاريخيّة سورية، رغم نفي مصر لهذه المُعادلة المُؤسفة من “المحروسة”، وكيف ننسى الوحدة التي جمعت بين البلدين بزعامة الراحل جمال عبد الناصر، ولا نعرف ما هي مصالح الأردن، بالالتزام في معايير المُقاطعة لسورية وعدم الانفتاح، بعد فتح المعابر، إذا كانت الإدارة الأمريكيّة لا تُبلّغه حتى بشكل صفقة القرن، التي يتردّد أنها ستقتطع جُزءاً من أراضيه، لإقامة الدولة الفلسطينيّة المزعومة، أمّا العراق فطُول المسافة البريّة بين البلدين (مع سورية) يُشكّل عائِقاً بالتزويد، كما العُقوبات الاقتصاديّة، ولبنان يبحث عن مُجرّد عُلب بنزين، ليمنع دخولها إلى سورية!

السّؤال الأكثر إلحاحاً، والأكثر تداولاً، بعد اقتراب سورية من دخول موسوعة “غينيس” للأرقام القياسيّة، بأطول طوابير انتظار أمام محطّات البنزين، هو عن عدم إنقاذ الحليف الروسي لحليفه السوري، ومُسارعته لإمداده بالنفط، لحل أزمة الوقود، وهو الحليف الذي ذهب باتّجاه التدخّل العسكري لإنقاذ النظام السوري، ثم ومن دون سابق إنذار وقف موقف المُتفرّجين، وكأنّه انضم إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة في ذلك الحِصار، الذي هدفه ضرب كرامة المُواطن السوري، وإعادة “إنتاج” ثورته بمفهوم آخر، تحت عُنوان التّقصير، وقُدرة الدولة على القِيام بواجباتها، وأقلها توفير المُشتقّات النفطيّة لمُواطنيها.

أنطون شابانوف، وهو الخبير الاقتصادي الروسي المُستقل، بحسب تعريف وكالة “سبوتنيك” الروسيّة، قال إنّه لا توجد إمكانيّات تقنيّة، وتجاريّة، لتوريد النّفط الروسي، إلى سورية، حيث لا توجد بُنية تحتيّة بريّة لذلك، وأمّا النقل البحري، فسوف تجعل تكلفة الوقود، تتضاعف بحواليّ عشرين مرّة.

وتحدّث المحلل ذاته للوكالة المذكورة، عن أنه لا توجد خطوط أنابيب نفط، وبُنية سورية التحتيّة بعد الحرب في حالة سيّئة، والنقل الجوي مُكلف، أمّا النقل البحري فسيكون بمثابة “نفط ذهبي”، ويقول المُحلّل المُستقل أنّ بلاده يُمكن أن تُوفّر النفط، والمُنتجات النفطيّة، لكنّها ستُكلّف 20- 30 مرّة أكثر من مُتوسّط السعر في سورية، ليتساءل من سيشتريها، والبيع بخسارة لم يعد تجارة!

يقين, [٢٠.٠٤.١٩ ٠٨:٥٧]
صحيح أن تفسيرات المحلل الروسي المُستقل هذا، لعدم تزويد روسيا سورية بنفطها، وإنقاذها من أزمتها، لا تُعبّر عن رأي بلاده الرسمي، وأنّ “الامتناع” الروسي، قد يخضع لأسباب سياسيّة، وعلى رأسها تذكير القيادة السوريّة أنّ روسيا دولة عُظمى تسير حسب مصالحها هُناك، فحتى التّقارب السوري- الإيراني، الذي تُصِر عليه قيادة سورية، ما هو إلا وهم، بدلالة عدم قدرة الإيرانييين على تقديم المُساعدة، والأخيرة تخضع أيضاً للعُقوبات الأمريكيّة، التي منعت وصول نفطها للسوريين، عبر قناة السويس، وربّما من الأفضل بحسب الروس، أو من وجهة نظرهم التي نراها، عدم المُراهنة السوريّة على الإيرانيين فالنّهاية وخيمة، وربّما من الأفضل حتّى الطّلب منهم مُغادرة الأراضي السوريّة، وهو تواجد تم بناءً على طلب أصحاب الأرض السوريين، بغض النّظر إن كان استشاريّاً بالفِعل، أو عسكريّاً كما تدّعي إسرائيل، وهو تواجد يُزعج الأخيرة.

في الجانِب التّجاريّ والاقتصاديّ البَحت، والذي يتحدّث عنه المُحلّل أعلاه، و”الامتِناع″ الروسي عن تزويد الحليف السوري، لأسبابٍ كما يصفها بالفنيّة، والاقتصاديّة، وكُلف التزويد العالية، سواء عن طريق البحر، البر، والجو، لا نعتقد أنّ الخدَمات الاقتصاديّة الجَليّة التي قدّمتها سورية أوّلاً لروسيا، وامتتاع قيادتها عن السّماح بمُرور خط الغاز القطري في القصّة المُثيرة عبر أراضيها، والذي كان سيُوقِف شِراء أوروبا للغاز الروسي، والتي أدخلت البِلاد هذه الأزمة والحرب، يكون مُقابلها تفكير روسيا بمنطق الربح والخسارة، وتقديم حُجج فنيّة، وأخرى اقتصاديّة، فالبيع بخسارة نعتقد آخر ما يُفكّر به الحُلفاء، على الأقل في الجانب العلني لعلاقاتهم، فما هو دور الحليف الروسي، إذا كان غير قادر على كسر حِصار أمريكي، على بلد، في أقلّه يُمكن ألا يوصلها لمرحلة “العَوَز والحاجة”، وحرَج الحُكومة السوريّة أمام مُواطنيها.

بكُل الأحوال، سورية ليست بحاجة نفط أحد، وهي أزمة يُمكن التغلّب عليها، فالبنزين لا يحرم الإنسان من الحياة، ولا يوقفه عن التنفّس، ولعلّ أكثر العبارات تأثيراً، عبارة قالها مواطن سوري، لإحدى القنوات بلهجته المحليّة “المُحبّبة” تعليقاً على أزمة البنزين: “عملوا أكتر من هيك، بالبارود والنّار، صمدنا، بالخوف والتهجير، صمدنا، هلا على علبة بنزين، بدن يخوفونا، لك والله فشروا، نحن صامدين”.

خلال كتابة هذه السطور، جاء خبر عاجل، مفاده، أنّ جمهورية القرم، ستُقدّم القمح، والمُشتقّات النفطيّة إلى سورية، وهي أنباء قد ترفع من معنويات المُراهنين على الحليف الروسي، بحُكم تبعيّة القرم لروسيا، لكن عن أنفسنا، ستبقى أعيُننا مفتوحةً، على تصريحات سابقة لوزير الخارجيّة السوري وليد المعلم، الذي قال إنّ مناطق شرق الفرات النفطيّة ستكون وجهة الجيش العربي السوري للتّحرير، وهي مناطق غنيّة بآبار بالنّفط، ولكن تحت سيطرة التنظيمات الكُرديّة، التي تحميها الولايات المتحدة الأمريكيّة، الطريقة المُثلى لذلك التحرير متروكة لهذا الجيش الذي استعاد أكثر من نصف أراضيه، سواء بالمُقاومة، أو الاصطدام الذي يستبعده خُبراء مع الأمريكي، فلماذا لا يُقدّم الروس المُساعدة الفِعليّة للسوريين، في استعادة أراضيهم النفطيّة، على الأقل لن يكونوا في وارد تحمّل بيع نفطهم بالخسارة، أم أنّ في السياسة أيضاً رِبح وتجارة؟

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/04/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد