آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خالد الجيوسي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي فلسطيني

لماذا يُجدّد الرئيس السيسي “حالة الطّوارئ” لمُدّة ثلاثة أشهر ويتحدّث القرار الجمهوري عن “مخاطرٍ أمنيّةٍ” رُغم نجاحه بالاستفتاء وتنصيبه “رئيساً أبديّاً”؟..

 

خالد الجيوسي

أحكَمَ الرئيس المِصريّ عبد الفتاح السيسي بيديه تماماً على مقاليد الحُكم في البِلاد، في مشهدٍ سياسيٍّ مُعقّدٍ للغاية، محفوفٍ بالمخاطر على المدى البعيد، والحديث هُنا تحديداً عن استفتاء الشّعب المِصريّ على طريقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حول التّعديلات الدستوريّة التي تُتيح للرئيس الحالي السيسي، أن يظلّ رئيساً حتى العام 2024، ومن ثم يُعاد انتخابه، وإن في حال فوزه حتى العام 2030.

الشّعب المِصريّ من زاوية الإعلام الرسمي كان حريصاً بل و”ملهوفاً”، على عدم تفويت هذا “العُرس” الديمقراطيّ، وجُموع النّاخبين كانت تصطفّ أمام الشّاشات بالفِعل طوابير بالمئات، كما لم يُفوّت النّجوم المشاهير في “المحروسة” تلك اللّحظة التّاريخيّة، مُؤكّدين على دور الرئيس الإيجابيّ في حُكم الجمهوريّة، كُل فئات الشعب كانت حاضرةً، لدرجة أنّ إحدى الصحف المصريّة المحليّة، اضطرّت إلى نفي خبر نُسب إليها، تحدّثت فيه عن توجّه فتاة بعد اغتصابها من ساعات، لكي تُصوّت للتّعديلات أو للسيسي، وهو ما تناقلته صحف وقنوات إعلاميّة مُعارضة “مُغرضة” على حد توصيف الأخيرة، وعلى أنّه خبرٌ يدعو للسّخرية من أجواء التّعديلات، وتصف سياساتها التحريريّة حُكم السيسي بالانقلاب العسكري، على الرئيس المُنتخب محمد مرسي، وجماعة الإخوان المُسلمين.

المُبالغات الإعلاميّة، كانت التّوصيف الدّقيق الذي استخدمته الضفّة المُقابلة والرافضة لتعديلات السيسي، والتي يرون فيها انقلاباً على عدالة القضاء، وحصر السلطات بالفرد الواحد، وإنهاء جميع مظاهر الحياة الديمقراطيّة، وقد رصد الإعلام المُعارض للرئيس السيسي، مثل تلك المشاهد، حيث أظهرت مشاهد مُوثّقة مريض في سيّارة الإسعاف، مُقعدة، فنان، راقصة، فنانة، ذوي الاحتياجات الخاصّة، وكُل هؤلاء كانوا حريصين “جدّاً” على “النّزول” خدمةً لأمن واستقرار مصر، وبقاء الرئيس للعام 2030، وهو ما اعتبره مُعارضون إمعاناً في الخِداع السياسي، وترويج لمشهد ديمقراطي زائف.

الصحافة الغربيّة بدورها، كان لها رأيٌ هي الأخرى، بعمليّة التعديلات الدستوريّة تلك، فصحيفة “ديلي تلغراف” البريطانيّة وصفت استفتاء التعديلات الدستوريّة، بالاستفتاء الصّوري، وبحسب التقرير الذي نشرته الصحيفة المذكورة لراف سانشيز، فإنّ الحُكومة قد زعمت بفوزها بنسبة (89) بالمئة من الأصوات، أيّ أنّ 11 بالمئة يُعارضون التّعديلات فقط، أو صوّتوا ضدها، وهي نسبة يُبالغ فيها، وتطرح لنا بالتّالي العديد من التّساؤلات حول شفافيتها ومِصداقيّتها، وتُوجّه سِهام نقد المُشكّكين لحُكومة الرئيس السيسي، التي توسّع قبضتها على القضاء، وتزيد من تدخّلات الجيش في الحياة العامّة السياسيّة المدنيّة.

من حق الرئيس السيسي أن يكون له مُوالين برأينا، وهو طبيعي بواقع المنطق كذلك، لكن مُنظّمة العفو الدوليّة هي الأخرى ترى في الاستفتاء مشهداً صُوريّاً أكثر منه منطقيّاً ومُقنعاً، حيث يُصادر الأخير حق الجميع في انتقاده، أو بحسب المُنظّمة يُظهر احتقاراً لجميع حُقوق المصريين، وحتى شَمِل أولئك من وجهة نظرنا المُتمتّعين بالحصانة، وفي حالة مُجرّد التّعبير عن عدم حبهم للرئيس، وهو ما حصل مع أحد النوّاب في مجلس الشعب المصري، وكان قد عبّر عن حقّه في التّعبير عن عدم حبّه لرئيس بلاده، فما كان من رئيس مجلس الشعب إلا أن حوّله للجنةٍ تأديبيّةٍ، وشطب نص ما قاله من محضر جلسات المجلس، لكن عبارة النائب كانت عابرةً للقارات، وتم تداول مقطعه بين نُشطاء التواصل الاجتماعي على نِطاقٍ واسع، وعلى سبيل الإعجاب بجُرأته.

“رشوة” كرتونة مواد تموينيّة، كانت ربّما التّوصيف المُختصر للحال السياسي في مِصر، لكن لا يُمكن تعميمه أيضاً، وهو الحال الذي نقله لنا أحد العاملين في مطعم وجبات سريعة “مِصري” في الأردن، عاد لتوّه من بلاده من إجازة، ومُجيباً على سؤال عفوي عابر صدر عنّا بالاستفسار عن حال بلاده خلال إجازته ليُجيب: “مفيش خيار آخر قدامنا، إحنا صوّتنا تحصيل حاصل، أهو على الأقل تحصّلك شويّة رز على سمنة، وتمشّي الحال”!

المشهد المصري يسير على خُطى التّراجع الديمقراطي، فكُل وسائل الإعلام المُستقلّة بحسب توصيف صحيفة “ديلي تلغراف” “أُجبرت على الإذعان”، وعندما يُقمع الإعلام، ويُصبح أداةً للسلطة، تتراجع البِلاد على كافّة الصّعد وعلى رأسها الأوضاع الاقتصاديّة، بما فيها تجميل إنجازات السلطة، وتلطيف الصّعوبات المعيشيّة، كما اعتقال المُعارضين، والأهم مُصادرة مُنجزات الثّورة التي أوصلت النظام الحالي إلى السلطة، فالتّعديلات الدستوريّة لم تُعطِ السّلطة الأبديّة للرئيس فحسب، بل ألغت أهم مُنجز لثورة يناير التي أطاحت بحُكم الرئيس المخلوع حسني مبارك العام 2011، وتُلغي الفترتين الرئاسيتين،  وتُعطي الرئيس صلاحيّات تعيين القضاة، والنائب العام، وهو ما يضع مصداقيّة القضاء المصري على المِحَك، وصورة الدولة الديمقراطيّة كذلك، فبحسب المفوضيّة الدوليّة للقضاء، فإنّ تلك التّعديلات التي فوّضت الرئيس بكُل تلك الصّلاحيّات غير المسبوقة، اعتداءٌ بالغٌ على القانون، لكن كُل الانتقادات للمُنظّمات الدوليّة، تبقى حبراً على ورق، ولعلّ تلك التّعديلات تمّت بمُباركةٍ أمريكيّة، والمُقابل كما يتردّد أن يكون الرئيس السيسي هو عرّاب “صفقة القرن” التي يجري الحديث عن إعلانها بعد شهر رمضان، لكن السياسة الخارجيّة المصريّة فيما هو مُعلن، تُؤكّد على رفضها تلك الصفقة التي لا تعترف بالحُقوق الفِلسطينيّة، كما أنّها كانت قد رفضت المُشاركة في عاصفة الحزم باليمن، وأبلغت حليفتها الإدارة الأمريكيّة نيّتها الانسحاب من حلف الناتو العربي، والمُقرّر “تجميعه” لمُحاربة إيران، وبمُشاركةٍ ودعمٍ خليجيّ.

عائق التّعديلات الدستوريّة مضى فيما يبدو، وتم إقرارها رسميّاً، وهي ضربة أخيرة مُوجعة لآخر آمال المُعارضة التي ناشدت الشعب رفضها، وعدم تمريرها، وروّجت لسلبيّاتها إعلاميّاً، لكن إعادة فرض حالة الطّوارئ أعاد طرح التّساؤلات حول فعاليّة نجاح الاستفتاء المُفترض، إذا كان الشعب فِعلاً مُتناغم مع خياراته واختياراته، حيث أعيدت الخميس الطوارئ، وقد أعاد فرضها الرئيس السيسي، وتمتد لثلاثة أشهر، وكانت حالة الطوارئ قد انتهت في 14 الشهر الجاري، ويتم تجديد حالة الطوارئ بفاصل أيّام، حيث لا يسمح الدستور، بتمديدها لأكثر من ستّة أشهر مُتوالية، وتم فرضها منذ إبريل العام 2017، ويأتي تمديد حالة الطوارئ للمُفارقة، بعد إقرار التّعديلات الدستوريّة.

تمديد حالة الطّوارئ في التّعريف السّياسي، يعني مُواجهة ظُروف غير عاديّة، تحمل في طيّاتها تهديداً، تُحدّد الدولة زمانه، ومكانه، وموعد زواله، وتُوكل للشّرطة والجيش مُواجهته، وفي العُرف العربي، أو الدول التي شهدت ثورات، لا يعني إلا مزيداً من حالة القمع، والسيطرة الاستبداديّة للسلطات، وهو دلالة عدم يقين تام، لسيطرة تلك السلطات على الوضع، وتخوّفها من انفجار الأوضاع، ولذلك تُقابل كُل خطوة استبداد بالسلطة، بالمزيد من أحكام “الطوارئ”، تحت عُنوان مواجهة أخطار الإرهاب الذي تقوده جماعات إسلاميّة تقول الدولة المصريّة، إنها تحمل أيدولوجيا الإخوان وتنظيم القاعدة وداعش، والثّورات المُجاورة في السودان، والجزائر قد تكون أحد الأسباب الرئيسيّة الفعليّة بنظرنا لإعادة فرض الطّوارئ، وخشية السلطات من وصولها إليها، وإن كانت تبدو مُمسكةً بزمام الأمور حتى العام 2030، ففي السودان مثلاً طالت هتافات المُحتجّين الرئيس السيسي، والشعب المصري كان من أوائل المُبتكرين لهتافات الثورات، وكان قدوة المُحتجّين في نسختيّ الربيع العربي، الأولى منذ 8 سنوات، والحاليّة التي أسقطت حُكميّ عمر البشير، وعبد العزيز بوتفيلقة، ولا يُستبعد حُصول أي مُفاجآت في هذا الصّدد.

إنّ تحفّز الدولة، وفرضها لقوانين طوارئ دائمة، سيضعها بطبيعة الحال على قائمة الدول الأقل أمناً، واستقراراً، على الأقل المشهد يبدو كذلك خارجيّاً مثلاً للرّاغبين في زيارتها، ومعالمها السياحيّة، ونحن مُقبلون على موسم صيفي سِياحي، فماذا يعني أن يُشير القرار الجمهوري الصّادر صباح يوم الخميس 25 إبريل، والمنشور في الصحيفة الرسميّة، أنّ فرض حالة الطّوارئ يأتي نظراً للظّروف الأمنيّة التي تمُر بها البِلاد، وأنّ الشرطة والجيش مُوكلة بمُواجهة أخطار الإرهاب، عِلماً أنّ مصر تتحضّر لاستضافة كأس أمم إفريقيا يونيو القادم، فكيف يُمكن استضافة حدث رياضي على ذلك المُستوى الخطير، والدولة ذاتها، وباعترافها، تتحدّث عن مخاطر أمنيّة استوجبت فرض حالة الطوارئ، ولثلاثة أشهر اعتباراً من 25 إبريل، أيّ قبل يومين من كتابة هذه السّطور؟

ليس أهم من أن تكون “أم الدنيا”، آمنة، مُستقرّة، وعظيمة كما عهدناها في أوج عُهودها التي ولّت، لكن هذا الغُموض حول أمان جبهتها الداخليّة، وإن كان لغايات سياسيّة، ووضع البِلاد على حافّة القلق والتوتّر السّياسي، سيظل يطرح التّساؤلات حول قُدرة الدولة على المُواصلة، وإن يُمكن لمُؤسّساتها المدنيّة، مُمارسة حُكم الدولة المدني الطّبيعي، بغض النّظر إن كانوا عسكراً بزيّ مدني، لكن يبقى عليهم مسؤوليّة إعادة ثقة المواطن بدولته، بعيداً عن سياسة التّخويف، والإجبار، وانعدام البدائل، والتّسليم بالأمر الواقع، حتى تتفرّغ بالفِعل للقضايا الخارجيّة، والوطنيّة منها على وجه التّحديد، ويكون قرارها السّياسي، غير مُرتهن للولايات المتحدة الأمريكيّة التي “باركت” التّعديلات الدستوريّة، لكن الأشقّاء في سورية لعلهم سيظلّون قيد التّساؤل والعتب، عن مُساهمة الشّقيقة مِصر التي اتّحدت معهم يوماً، ورغم نفيها، في أزمة الوقود، ومنعت وصول ناقلات النّفط الإيرانيّة عبر قناة السويس، وامتثلت للأمر الأمريكي في حِصار سورية، وفرض العُقوبات عليها، فأين هي مِصر التي عهدوها، يتساءل الأشقّاء، ونضُم صوتنا إليهم؟!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/04/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد