آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خالد الجيوسي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي فلسطيني

جسر السيسي العظيم ومنتقدوه

 

خالد الجيوسي

يبدو المشهد مُتألّقاً ها هو في جمهوريّة مِصر، الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي، “يُسابق” الزمان، لكي يُدخل بلاده في مصاف الدول الكُبرى، التي فيها ما فيها من مشاريع عملاقة، تقول صحف مصريّة محليّة إنها تهدف إلى تحسين البُنية التّحتيّة، كما وتوفير الوظائف.

آخر تِلك الإنجازات، كان افتتاح الرئيس السيسي، “أعرض” جسر مُعلّق في العالم، والذي يمر جسمه فوق نهر النيل بالقاهرة، وهو حلقة وصل يقع في شمال العاصمة القاهرة، ويمتد من البحر الأحمر وحتى ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويهدف تحديداً إلى تقليل الاختناق المُروري في العاصمة، وسيدخل الجسر الذي في اتّجاهين لكُل منها ست مسارات مروريّة موسوعة “غينيس” للأرقام القياسيّة كأعرض جسر مُعلّق في العالم، حيث كان الرّقم السّابق مُسجّلاً في كندا.
في الضفّة الرسميّة، تبدو الأمور في سياق المُنجزات، والسّير على خُطى التّنمية، والتّطوير، لكنّ الأمر لا يبدو أنه بذلك الجمال، فالمشروع كانتقاد أوّلي يقول مُنتقدون له، أنه أُنجز قبل موعد تسليمه، والهدف من هذا هو تحصّل الدولة على عوائد تشغيله، بل إنّ الشركات ذاتها المُشرفة على المشروع، تقول إنّ الاستعجال كان غير مُبرّرٍ، لكن مِثل تلك الخدمات التي تختصر المسافات، وتُوفّر الوقت في بلدٍ مُكتظٍّ بالسكّان، لا يُمكن أن تكون مجّانيّةً.

هذا المشروع الضّخم، وأمواله المصروفة على إنجازه الذي يُفاخر به الإعلام المحلّي المصري، ومن خلفه الدولة، أعاد للأذهان حادثة محطّة مِصر الشّهيرة الأخيرة، والتي راح ضحيّتها مُواطنين مصريين أبرياء، وتضاربت أسباب الحادثة، بين الإهمال الفردي بحسب الرواية الرسميّة، وبين تردّي خدمات الصّيانة الدوريّة، التي تحتاج إلى أموال لصيانة سكك الحديد، وهو الإهمال الذي أدّى إلى احتراق الركّاب، وروّاد المحطّة أمام عدسات الكاميرا، في مشهدٍ لن ينساه المصريون كُلّما ذهبوا إلى المحطّة المذكورة التي لا تزال تحتاج إلى تطوير سككها، وصيانتها، واستبدالها بأخرى جديدة.

يُدافع المُنبهرون عن الجسر الأعرض، بأنه يأتي في إطار تنمية العاصمة، وحل مشكلة الازدحام المُروريّة والاختناقات التي يُعاني منها الشعب المصري، لكن المشروع على الضفّة المُنتقدة له، هو ليس إلا مشروعاً خدميّاً، ستستفيد منه الدولة، وقد وضعت الأخيرة قائمة أسعار تذاكر العُبور، بحسب نوعيّة وسيلة النقل، وتصل تكلفة عُبور السيارة “ملاكي” 20 جنيهاً مصريّاً، أيّ ما يُعادل دولاراً واحداً، وهي تكلفة تُعد قليلةً إذا ما تم مُقارنتها ببعض الدول الأخرى، كتركيا مثلاً التي تأخذ فوق الدولارين كخدمة استخدام عُبور الجُسور، الواصلة بين طرفيها، مع وجوب الإشارة إلى ضرورة النّظر إلى دخل الفرد في البلدين المذكورين، وكفّة المُواطن التركي ترجح بلا شك في السّياق المذكور.

ويُطالب بعض المصريين، بتوفير كُل الأموال المصروفة على تلك المشاريع “الاستعراضيّة” على حد توصيفهم، على تحسين وتطوير البُنى التحتيّة، والتعليم، وقطاع الصحّة، القائمة أصلاً والمُتهالكة مُنذ سنوات، وهي قطاعات ترصد ذات الصحافة المصريّة المحليّة تردّي خدماتها، وتراجع حُضورها، كما ويتساءل المواطن البسيط عن غِياب المشاريع الإنتاجيّة التي تُساهم في تشغيل الشباب، أمام تزايد رغبتهم في الهجرة، أملاً في مُستقبلٍ أفضل.

وبالأرقام، فإنّ تكلفة بناء الجسر، بلغت 5 مليارات جنيه، أي ما يُعادل 294 مليون دولار تقريباً، وبلغت تكلفة المرحلة الثانية منه 4 مليارات جنيه أي ما يُعادل 235 مليون دولار، كما احتاج تنفيذه إلى مليون متر مكعب من الخرسانة، وأكثر من 290 ألف طن من الحديد، ويُعادل ما تم استخدامه من الخرسانة والحديد، إنشاء ألف عمارة سكنيّة، يقول مُنتقدون أنّ أزمة الإسكان، والعشوائيّات تحديداً، كانت أولى بتلك المواد، لكن المنطق أيضاً يقول إنّ الاختناق المُروري الذي تُعاني منه البِلاد، يحتاج إلى مثل ذلك الجسر المُعلّق.

ويُشير مهندس خبير، تحدّث إليه كاتب هذه السّطور، بالقول إنّ المشروع (الجسر)، نُفّذ بطريقةٍ هندسيّةً مُباشرةٍ، ليخدم غايته التجاريّة الخدميّة منه، وحل مُشكلة الاختناق المُروري تحديداً، فالأغراض الجانبيّة المرجوّة منه لا تجعله يرتقي إلى مصاف “التّحف المعماريّة”، وإن كانت تسمح جوانبه بمُشاهدة النيل، وعرضه كأعرض جسر، هو بمثابة توصيف فعلي لشكله فقط، وإن كان يُمكن استغلال عرضه بمساحات إبداعيّة، ليكون علامة فارقة بالمعالم السياحيّة المِصريّة، ويُضيف المهندس السّرعة في “التّشطيب” أو إنهاء التّنفيذ هي أهم الصفات “السلبيّة” التي يُمكِن بها تقييم المشروع هندسيّاً، وحول سُؤالنا له عن إمكانيّة مُقارنته بجسور مُعلّقة حول العالم، قال ببساطة المُقارنة ظالمة وغير عادلة.

بالعُموم، ربّما لا يُمكن استباق الأحكام، وإسقاط السلبيّة على المشاريع المُتوالية التي سيقوم الرئيس السيسي بافتتاحها، و”استعراضها” في السنوات القادمة، فهو ووفق التّعديل الدستوري الجديد، مسؤولٌ عن المصريين حتى العام 2030، وإن كان لا يخلو المشروع من إيجابيّات، لعلّه من الواجب أيضاً الاستماع إلى مُطالبات المصريين، وتسجيل انتقاداتهم، وتطوير بُناهم التحتيّة، ومُستشفياتهم، وتعليمهم، بمُحاذاة هذه “الإنجازات”، وكما قال أحد النشطاء عاتباً على الجسر المُعلّق: “لما ابنك يبقى عيّان، خده مشّيه على الممشى الزجاجي، هو ها يخف علطول”، وهو يُشير ضِمناً إلى تردّي الخدمات الصحيّة الحُكوميّة.

نَختِم بقول الرئيس السيسي، حين علّق وهو يقف على الممشى الزجاجي، والمُلحق بالجسر المُعلّق، وقد سارع إليه بعض المصريين بالفِعل للتنزّه بعد الافتتاح، حيث قال الرئيس مُمازحاً المُهندسين المُشرفين: “الممشى ده أمان، ولا هيقع بينا يا مُهندسين؟”، نقول: “كارثة لو ما طلعش أمان هو الآخر”!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/05/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد