آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فؤاد البطاينة
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة رأي اليوم

التحالف الأمريكي الإسرائيلي يقوم على الاستخدام المتبادل لأهداف متناقضة..

 

فؤاد البطاينة

الوطن العربي بشعبه في الشرق الأوسط السياسي كان وما زال هدفا استراتيجيا للغرب بحافز يختلف عن حافز الصهيونية في استهداف ذات المنطقة وشعبها. فالحافز الغربي هو اقتصادي الطبيعة مع رابط الخوف الثقافي والتاريخي. إلا أنه بالنسبة للصهيونية حافز سياسي اتخذ من فلسطين قاعدة لإخضاع المنطقة انطلاقا للعالمية، لتكون الحاكم العميق للعالم. ومن هنا نحن نعيش حقبة تحالف استراتيجي بين الغرب والصهيونية يقوم على استخدام كل طرف منهما الأخر لغرضين مختلفي الطبيعة. ولا شك بأن تقاطع المصالح الذي يقوم عليه التحالف سينتهي يوما. وبروتوكولات حكماء صهيون في هذا حقيقة يعرفها الغرب، والماسونية حقيقة كحزب صهيوني عابر للقارات هو الاقوى والأكثر تأثيرا في العالم.

لقد قطع التحالف المذكور مرحلة حصل فيها الغرب بقيادة أمريكا على هدفهم بإيصال العرب ومنطقتهم الى الوضع الذي يريدونه، بينما لم يستطع هذا التحالف بعد من اغلاق ملف فلسطين والمشوار طويل. إلا أن ما تحقق للأوروبيين وأمريكا قد أدخلهم في مرحلة جديدة هي المحافظة على هذه المكتسبات وعلى الوضع العربي هذا. والإعاقات أمامهم تتمثل بتهديدين ماثلين. الأول السياسة الإيرانية الاستراتيجية المنافسة في الإقليم وفي المنطقة العربية. والثاني هو الشعب العربي بقيادة الشعب الفلسطيني العصي على التطبيع والقبول بإسرائيل والاحتلال ولِما لنجاح العرب في إيقاف المشروع الصهيوني من أثر على بناء مشروع عربي نهضوي مقاوم للهيمنة الغربية والأمريكية وقادر على طردها.

فهذه المرحلة الأمريكية الثانية في مواجهة التحديين المشار إليهما، تتقاسم فيها أمريكا وإسرائيل المصلحة الحيوية لكنها أكثر حيوية لإسرائيل لأن مشروعها لم تكتمل مرحلته الأولى المتمثلة بإغلاق ملف الاحتلال والقضية الفلسطينية، مع إيران تزداد إرادة وتحديا.

 المهم هنا أن رؤية أمريكا تختلف عن رؤية إسرائيل في تسوية المسألة الإيرانية والفلسطينية. فرؤية أمريكا التقليدية لا تتضمن سحق إيران والقضية الفلسطينية. بينما إسرائيل لا يحتمل مشروعها الصهيوني لوجود إيران دولة قوية أو حرة في المنطقة، ولا يحتمل شعبا فلسطينيا بقضية ولا سيادة فلسطينية على شبر من فلسطين.
فأمريكا والغرب لا يطمعون ولا يطمحون للسيطرة على إيران ومواردها ولا يخيفهم مشروعها النهضوي إن بقي في حدود دولتهم وإنما قد يخيفهم ثقافة إيران الإسلامية وتلاقيها مع العرب. ولذلك هم يكتفون بإحداث شرخ في الانتماء الإسلامي الواحد بواسطة المذهبين السني والشيعي الذي تمثله إيران. حيث أن الخوف التاريخي والطموح والأطماع الغربية الأمريكية الحالية هي في الوطن العربي الذي تشكل وحدته أو نهضته خطرا كبير على المصالح الامبريالية المادية والثقافية.

ولذلك فإن السياسة الأمريكية المستقرة قديما وحديثا نحو إيران هي في أن تكون قوية وسيفا وهميا بوجه العرب كي لا يكون هناك صلح ولا تلاقي بين الجناحين الإسلاميين، العربي والفارسي، بل أن يكونوا في عداء عقدي وقومي وتبقى الدول العربية عاجزة ومرتمية في حضن حماية وهمية ومقدراتها الثمن الحقيقي.
ونظرا لطبيعة المرحلة التي لم يعد فيها دولة عربية واحدة مؤثرة على إسرائيل أو على المصالح الأمريكية في المنطقة فلا تطمح أمريكا إلى “إيران شاه “خاضع لها بل إلى إيران ذات نظام مستقر ودولة قوية داخل حدودها ولا تتحدى المصالح الأمريكية والغربية. بل أن امتلاك إيران للسلاح النووي حينها لا يشكل هاجسا استراتيجيا لأمريكا، إنه هاجس استراتيجي لإسرائيل التي لا تريد رادعا لها ولا منافسا في الإقليم. وهذا الاختلاف في السياسة الإسرائيلية إزاء إيران ودول الإقليم هو من واقع طبيعة المشروع الصهيوني الرامي إلى الهيمنة على الإقليم للإنطلاق إلى العالمية التي تجعل من الغرب مستهدفا.

فإسرائيل التي ترى في العرب تناقضا أساسيا لها، وتنظر إلى إيران نظرة المنافس الخطير لها في السيطرة السياسية على الإقليم الذي تسعى لإخضاعه والانطلاق منه، تدفع في هذه المرحلة إلى عدم استقرار المنطقة في ظل المعادلة القائمة التي لم تتمكن فيها من إغلاق ملف القضية الفلسطينية من ناحية،وتشكل فيها إيران من ناحية أخرى دولة قوية وحرة تهدد مشروعها. فهي لا تكتفي بإيران كما تريدها أمريكا دولة قوية ومستقرة وحرة على قاعدة عدم تحدي مصالحها وأطماعها. بل أن المسألة لها هي مسألة استفراد بالهيمنة على الإقليم، وتريد إيران إما مدمرة كأي دولة عربية وإما “إيران شاه ” وهذا ما تسعى إلى تحقيقه في تركيا أيضا في مرحلة لاحقه.

العقبة الكبرى التي تواجه إيران هي أنها صاحبة مشروع يتخطى حدودها وشعبها ومصالحها القومية وأن هذا المشروع تحكمه الفكرة الدينية المذهبية، أو أنها من أهم أدواتها الظاهرة أمامنا. لقد قامت يثورة انعتقت بها من الهيمنة الغربية الصهيونية بحركة واحدة واعتمدت مبدأ تصدير الثورة. وهذا المبدأ التقطته أمريكا وإسرائيل بمفهومين مختلفين من حيث المكان لوجهة التصدير، وطبيعة مشروع الثورة. فالسؤال الذي يتبادر إلى أي ذهن هو تصديرها إلى أين وما هي غايتها. والإجابة الصحيحة لا تعني أية خطورة لأمريكا وكذا الدول الكبرى لأنها تعرف بأن وجهة المشروع وحدود مكانه لا يتعدى الوطن العربي الجريح، وتعرف أن طبيعته لا خبز قوت له ولا حواضن في أوروبا والعالم. وأنها أي أمريكا ترى أنها قادرة على جعل المشروع الإيراني محل استخدام لها واستثمار في المنطقة. حيث أن أمريكا لا تأخذ الأمر أو المشروع الإيراني إلا على المحمل الذي يهمها منه وهو الاقتصادي بخلاف الرؤية الإسرائيلية. وهذا ما يحدد بل حدد طبيعة السياسة الأمريكية إزاء إيران

. . بينما إسرائيل التي تعرف التي تعرف مكان المشروع أيضا فلا تأخذه إلا على محمل سياسي استراتيجي غير قابل للتفاوض ولا يحتمل لها سوى المواجهة، ذلك أن المشروع الصهيوني في المنطقة العربية والإقليم لا يحتمل الشراكة. فإن كان المشروع الإيراني يصطدم مع المشروع الأمريكي في المنطقة فإنه يتناقض كليا مع المشروع الصهيوني الذي لا يقبل بإيران قوية ومتقدمة حتى داخل حدودها. ولذلك تبقى الحلول الدبلوماسية والسياسية ممكنه بين أمريكا وإيران ويمكن التعايش معها، بينما لن يكون الصراع الإيراني الإسرائيلي خاضعا لأنصاف الحلول أو لما يسمى ب Compromise. فالمشروع الإيراني يساوي في تعقيده وصعوبة تحقيقه نفس صعوبة المشروع الصهيوني وتحقيقه.

وعليه فإن الصراع العميق والمعقد والصعب تسويته دبلوماسيا وسياسيا هو بين إسرائيل وإيران. إلا أن مصلحة الكيان الصهيوني وقراره راسخا في أن لا تكون المواجهة العسكرية بينه وبين إيران فالميزان ليس لصالحها والبديل متوفر في ( الاستخدام الأمريكي ). بينما مصلحة إيران أن لا تطرح قضيتها دوليا على أنها مع إسرائيل حيث لا تجد الدعم، ليصبح الميزان أيضا ليس لصالحها. فالمصلحة والرغبة متقاطعة بين الكيان والدولة في أن لا تكون المواجهة بينهما مباشرة. ولا بديل عن أن يكون البديل أمريكا نائبة عن إسرائيل في مواجهة إيران. إلا أن إيران تعلم مدى الاستهداف الأمريكي المحدود لها وتمَسُك أمريكا بوجودها قوية وربما بنظامها العقدي نفسه، وبأنها تتحاشى الصدام العسكري مع إيران الذي سيفقد أمريكا هيبتها العسكرية ويضر بإدارة ترامب سياسيا، فإيران قادرة على إيذائها.

ولذلك فإن إيران تواجه الحرب الاقتصادية الأمريكية الخانقة بصنع ضغوطات على أوروبا وأمريكا بوسائل جريئة جدا لاستدراج التفاوض بشروط مواتية لها وليس تحت ضغط الحصار. وربما منها التعرض أو التحرش بالملاحة البحرية وخطوطها، واستخدام الحوثيين لضرب مناطق حيوية للسعودية بوسائل بسيطة متقدمة لإحراج أمريكا وتعرية نواياها وقدرتها على فعل شيء للسعودية وللنظام العربي المرتمي. وقد عملت هذه الضربات على ترشيد التصريحات السعودية.

بينما خيار إسرائيل هو أن تبقى بمساعدة السعودية الطرف الساعي للضغط على أمريكا ومحاولة توريطها بمواجهات سياسية ومغامرات عسكرية على صعيدي القضية الفلسطينية وإيران. وتعرف إسرائيل بأن ذلك التطرف الذي تطلبه من أمريكا هو على حساب سلامة التخطيط الأمريكي إزاء إيران، الباحث عن مصلحة أمريكا بطريقة أقل خسارة.

وقد حاولت أمريكا بالآونة الأخيرة أن تدخل في لعبة عسكرة صراعها مع إيران على خلفية تسهيل مرور حلقات صفقة القرن، وأوقعت نفسها بخطأ كبير أدى لإذعانها. حيث فشلت بكثير من الخزي وارتد فشلها إيجابيا على الشعوب العربية لا سيما الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية وأنظمتها إلى حد ما، وسلبيا على ثقة الأنظمة العربية التي تستقوي بأمريكا. ولعل في إذعان أمريكا دلالة على أنها ستلتزم بميزانها القائم على الربح والخسارة المادية في سياق مصالحها. وأن لا طريق أمام إسرائيل في النهاية إلا دخول المواجهة مع إيران وتوريط أمريكا ولكن كشريك محدود الفعالية. ولن تنتهي أزمة إسرائيل.

 لو كان القرار بيد النظام الرسمي العربي خالصا لما كانت لأمريكا مشكلة تعجز عن حلها في بلادنا، ولتمكنت إسرائيل من شطب الملف الفلسطيني. لكن قرارها وقدرتها محدودة بوجود شعب رافض ويتنفس. ولو كان القراربيد الشعب خالصا لما كانت المعاناة ولا الهيمنة ولا الاحتلال. ولكن مع وجود الشعب العربي الرافض بقيادة الشعب الفلسطيني الروحية والمعنوية ستبقى الصهيونية الإسرائيلية فاشلة في تمرير احتلالها وتبقى أمريكا عاجزة عن مساعدتها وسيبقى حكام العرب محدودي التأثير وعاجزين عن شرعنة سلوكهم الخياني.

وإذا ما أصبح هذا الشعب صاحب قرار في عواصمه فحينها ستدفع الصهيونية ثمن جرائمها قبل أن ترحل عن فلسطين والمنطقة.
إن كنا صادقين مع أنفسنا فلا نلوم روسيا ولا إيران ولا أية جهة دولية تحاول الاستفادة من الوضع العربي، فأية استفادة هي على حساب المشروع الصهيوني أو إعاقته، وهو المشروع الذي يمثل التناقض الأساسي والوجدودي للعرب.

والى ذاك اليوم وإلى أن تمسك المقاومة الفلسطينية الأرض وزمام القرار الفلسطيني الواحد. سنبقى نتذكر بأن إيران هي اليوم وحدها من الدول تشكل التحدي السياسي والعسكري للمشروع الإسرائيلي في المنطقة بصرف النظر عن الخلفية. ولو كان مشروعها النهضوي مرتبطا بتحرير فلسطين لسلمناها الراية نحن الشعوب العربية ولا يعيبنا ذلك بل يعيبنا عدم قدرتنا على مواجهة أنظمتنا. فتحرير المقدسات الإسلامية واجب على كل دولة إسلامية. نعم إن الشعب الفلسطيني ومن ورائه العربي صاحب السيادة على فلسطين، إلا أن فلسطين وقف إسلامي والمسلمون أصحاب سيادة عقدية عليها.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/06/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد