آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خالد الجيوسي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي فلسطيني

هل وضعت السعوديّة والإمارات المنامة و”مُؤتمرها التّطبيعي” في وجه “المدفع العربي” وأيّ علاقة لإيران؟


خالد الجيوسي

ربّما وقعت البحرين أو حُكومتها، في فخ استضافة مُؤتمر “الازدهار” في عاصمتها المنامة، والقاضي بتصفية القضيّة الفِلسطينيّة، أو ما يُعرف بمُناقشة الشّق الاقتصادي لإنعاش الضفّة الغربيّة، وغزّة، تحت عُنوان ما يُعرف بصفقة القرن، وعرّابها صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (جاريد كوشنر)، وهذا الفخ هو في الغالب صنيعة أخواتها الخليجيّات، السعوديّة، والإمارات، اللّتان اختارتا أرضها (البحرين) لإقامة المُؤتمر، وبالرّغم من حُضورهما للمُؤتمر بشكلٍ رسميٍّ.

حُضور المُؤتمر مُدانٌ بالطّبع، وغير مُبرّر تحت أي من العناوين، لكن حكومتا السعوديّة، والإمارات، وبالرغم من حُضورهما المُعلن، اختارتا عدم “المُغامرة” باستضافة المُؤتمر على أراضيهما، وعملتا بمبدأ “الاستعانة بصديق”، أو كما يصفه زميل صحافي بحريني الحالة، بوضع الأضعف بوجه المدفع، وهي البحرين بناءً على الواقع الذي وضعها أمام سهم النّقد، والإدانة.

نحن لن نقول بأنّ مُؤتمر المنامة قد فشل، للأسباب التي تروج في الصحف الغربيّة، ومنها أنّ المُؤتمر كان باهتاً، ومُملّاً، وأنّ كوشنر لم يجد وزير ماليّة عربي واحد مُتحدّث في مُؤتمره، حتى الصّحافة الإسرائيليّة كما علّقت ذاتها لم تجد ما يُمكن أن تُعلّق عليه الآمال، فالجميع ومنهم الأوروبيين لم يكونوا على قدر الحماسة للصفقة، ومشاريعها التي تشتري حق الفلسطينيين بأرضهم، وشرفهم، وعرضهم، هذه الأسباب جميعها صحيحة، وهي خطوة أولى في طريق إفشال الصفقة، وأصحابها، ولكن هُناك أسباب جعلت، وستجعل تلك الصّفقة فضيحة، ووصمة عار على جميع من أيّدوها، وحضروا مُؤتمرها.

الرّفض الشعبي البحريني من واقعين افتراضي، وحقيقي، كان العقبة الأصعب أمام الحُكومة البحرينيّة التي استضافت المُؤتمر، فارتفعت الأعلام الفلسطينيّة إلى جانب البحرينيّة على أسطح المنازل في مشهدٍ تاريخيٍّ لن تنساه الوفود الإسرائيليّة التي حظيت بالحفاوة الرسميّة، لكن عامل التنظيف والتعقيم كذلك الذي سارع إليه منتمون لجمعية التصدّي للتطبيع بعد صورة الصحافي الإسرائيلي الذي اختار وضع صورة جوازه أمام جمعيتهم، كانت بألف كلمة، ولا نقول أكثر من ذلك.

من يتجوّل في أروقة “تويتر” الافتراضيّة يجد حجم الرفض الشعبي البحريني الذي أمطروه للعدو الزائر، فمنهم من وضع صورة فلسطين، والأقصى، ومنهم من وضع الكوفيّة على مقاعد سيارته، ومنهم من دشّن وسوم “هاشتاقات” تفاعليّة اعتراضاً، ونقداً، لاستضافة حُكومته المُؤتمر.

المشهد لم ينته بحرينيّاً، وإن حاول بعض المسؤولين في البلاد تجميل المشهد، والاعتراف بحق إسرائيل بالوجود، فالأخيرة خليّة سرطانيّة يجب اقتِلاعها، والشعوب العربيّة على قدر تلك المَهمّة، والمشهد جاء من العِراق، حين اقتحم مُتظاهرون غاضبون سفارة البحرين في العاصمة بغداد، ورفعوا العلم الفلسطيني بعد إنزال العلم البحريني، فيما استدعت البحرين سفيرها للتّشاور، وحمّلت العراق مسؤوليّة حماية سفارتها، وقُنصليتها.

الشّباب العِراقي الغاضِب، اقتحم سفارة البحرين تنديداً بصفقة القرن، وورشة المنامة التي قاطعها بلاده، وهو غضب يُعبّر عن جميع الشباب العربي، ويضع حُكومة البحرين أمام إحراج كبير، فبينما هي تستضيف الوفود الإسرائيليّة، يحرق الشباب العِراقي علم تلك الوفود أمام مقر سفارتها في منطقة المنصور.

هذا المشهد الغاضِب، لن يقتصر على العِراق، وسفارة البحرين المُستضيفة للمُؤتمر المشؤوم، بل سيمتد لكُل الدول العربيّة التي اعتقدت أنّه يُمكن تمرير تلك الصفقة على حساب كرامة، وحق الشعب الفِلسطيني، بل إنّ الشعوب العربيّة ستكون بالمِرصاد، ونحن هُنا لا نصف جُملاً إنشائيّةً، ونشحذ الهِمم، بقدر ما نتحدّث عن واقعٍ عربيٍّ رافضٍ لبيع فِلسطين، وهذه فقط البداية.

لعلّ الحُكومات الخليجيّة الداعمة لصفقة القرن، “اختبرت” حالة الغضب الشعبي تُجاه تلك الاستضافة، ولعلها وضعت البحرين كما قلنا في مطلع المقال في وجه المدفع، حتى تتعرّف على أهميّة فِلسطين في قُلوب الشعوب العربيّة، والأهم ردّات الفِعل التي ستَخرُج على هذا “الهوان التّطبيعي” البحريني الرسمي، وتأثير امتداداتها على سُمعة تلك الحُكومات، ونحن نتحدّث عن حُكومتيّ السعوديّة، والإمارات، وعن السعوديّة تحديداً، كونها خادمة الحرمين، ولا تزال تدعم حل الدولتين، والمُبادرة العربيّة على الأقل علناً.

بعض الآراء البحرينيّة المُؤيّدة للسّلطة، حاولت التّقليل من أهميّة الهبّة الشعبيّة البحرينيّة، والعربيّة، تُجاه استضافتهم المُؤتمر، وعرّاب صفقته جاريد كوشنر، بالقول إنّ إيران هي من وقفت خلف تحريك هؤلاء الغاضبين، بفِعل وصول أذرعها في كُل من العِراق، والبحرين، وهذا الموقف باعتقادنا إن صح، لا يُدين إيران، بقدر ما يجمع حولها العرب والمُسلمين، فالجمهوريّة الإسلاميّة أعلنت رفضها لتلك الصّفقة، ومن الطّبيعي أن تبذل جُهودها في التصدّي لها، وعدم تمريرها، وهذا بحد ذاته موقف يُحسب لها، وإن كُنّا نُؤمن بكرامة العرب، وهبتهم حينما يتعلّق الأمر بفِلسطين.

نختِم بالشّكر لكُل الدول العربيّة التي قاطعت مُؤتمر “بيع فِلسطين” العِراق، الكويت، لبنان، ونقول أنّ إطلاق ثلّة من الإعلاميين الخليجيين، للقول بأنّ الفلسطينيين خونة، وشحّادين باعوا أرضهم في هذا التّوقيت، ليست إلا مُحاولات يائسة، وبائسة، لتضليل الرأي العام العربي، وحرفِه عن بوصلته، وقضيّته، وهي مُحاولات فاشلة، نظراً لردّة الفِعل العربيّة الدّفاعيّة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف هؤلاء بالكذب، والتّحايل، وليس أفضل من أن تُراجع دول “صفقة القرن” موقفها الإيجابي منها، فخسارة السّمعة، والقيمة، ليس أصعب من استعادتها، والنّصيحة بجمل!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/06/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد