آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سعد ناجي جواد
عن الكاتب :
كاتب في صحيفة رأي اليوم

انتخاب بوريس جونسون وكيف تمت مقارنته مع انتخاب الرئيس ترامب، وماهي التوقعات المُحتملة؟

 

سعد ناجي جواد

يبدو أن تدهور مستوى قيادات الدول ليس حكرا على دول العالم الثالث والوطن العربي بالذات، وإنما امتد ليشمل الدول المتقدمة والكبرى. فبعد كارثة وصول شخص مهزوز و مهووس بالمال والكذب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الأكبر و الأقوى في العالم، انتخب أعضاء حزب المحافظين البريطاني، هذا الحزب العريق الذي ظل يفاخر بقياداته السابقة وعلو كعبها في مجال السياسة، السيد بوريس جونسون كي يخلف السيدة تيريزا ماي كرئيس للحزب و رئيس جديد للوزراء حتى إجراء انتخابات قادمة، قد تكون قريبة جدا. في تعليق ظريف التقطته اغلب الصحف العالمية والبريطانية كتب احد المعلقين السياسيين المهمين عن هذا الأمر قائلاً ( لقد انتخب الأوكرانيون ممثلاً كوميدياً (ساخرا) رئيساً لبلادهم، و انتخب البريطانيون مهرجاً كرئيس وزراء لهم). وطبعا فان اغلب المنتقدين لانتخاب السيد جونسون ركزوا على أوجه التشابه بينه و بين السيد ترامب في التصرفات ولغة ( أو حركات الجسد) كما يطلقون عليها، وسهولة اللجوء إلى الكذب، ناهيك عن كرههما للأجانب و للمسلمين من بين الأجانب. ولكن الجميع اتفقوا، باستثناء بعض الصحف اليمينية المتطرفة والكتاب الذين يحملون نفس أفكار الرجلين، على انحدار مستوى القيادات في الولايات المتحدة و أوروبا الغربية. وهذا الأمر ليس بالجديد فمن يتذكر جيرالد فورد ( الرئيس الأمريكي الذي لم ينتخب أصلا)، وجورج بوش الابن و ساركوزي و الن ترامب وبوريس جونسون لا بد وان يتفق مع هذا الآراء بالكامل. كما جرت عمليات مقارنة بين هؤلاء القادة و من سبقهم من شخصيات تمتعت بخصائص قيادية واضحة. كما أبدى أغلب المنتقدين لانتخاب السيد جونسون قلقهم من أن يشهد العالم كوارث سياسية كبيرة و مدمرة بسبب التماثل في الأفكار و التصرفات بينه وبين السيد ترامب، واحتمال اتفاقهما على اتخاذ قرارات كارثية خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع منطقة الشرق الأوسط.

قبل انتخاب اليد جونسون كُتِبَ الكثير عن التأثير السيء الذي قد يضرب حزب المحافظين إذا ما ترأسه هذا الرجل، فمنهم من قال إن الحزب سينشق إلى ثلاثة أحزاب، وآخر قال أن الحزب سوف لن يستطيع أن يفوز بأية انتخابات قادمة، في حين أن شخصيات وقيادات كفوءة استقالت من الحزب و تركته تحسباً لهذه النتيجة. و بلغ عدد المستقيلين تسعة وزراء منذ أن أعلن عن فوز جونسون. أما وزير الخزانة فلقد قال قبل أن تجري عملية الانتخاب أنه إذا ما انتخب جونسون فانه سيقدم استقالته إلى السيدة ماي قبل أن تسلم قيادة الحزب له، وهكذا فعل. وهذه كلها إشارات على عدم الثقة بقيادة جونسون، والأهم أنها إشارات ضعف في بنية هذا الحزب. ولكن حقيقة أن يفوز جونسون بغالبية كبيرة من الأصوات، ضعف ما حصل عليه منافسه، (وقبلها بتأييد عدد كبير من نواب الحزب)، لا بد أن تؤكد على طبيعة تفكير أعضاء الحزب، كما دللت نتائج الانتخابات الأمريكية على طبيعة تفكير المجتمع الأمريكي الذي حبذَ النموذج الترامبي. بكلمة أخرى أن الانحدار ليس في مستوى القيادة فقط وإنما أيضا في مستوى الناخبين.

المهم أن ما حصل قد حصل والأسئلة التي يجب أن تثار الآن هي ماذا سيفعل رئيس الوزراء الجديد؟ وخاصة في مسالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي بأي شكل من الأشكال، كما صرح هو بذلك، بحلول شهر أكتوبر القادم؟ أم أن تعامله مع هذه المسألة الحيوية سوف لن يكون بالطريقة العنجهية التي يتحدث بها والتي قد تجعل منه الضحية الثالثة كرئيس وزراء بريطاني منذ أن أدخلت بريطانيا في نفق وأزمة لم تكن هي بحاجة لها أصلا. المسألة الثانية تتمثل في طريقة تعامله مع الأحزاب والقيادات البريطانية الأخرى، هل سيصر على تحديها وعدم احترام رأيها لكي تصطف ضده وتطيح به، خاصة وأن حزبه لا يملك غالبية مريحة في البرلمان، أم أنه سيكون أكثر تعقلاً في التعامل معها. السؤال الثالث والأهم كيف سيتعامل مع التصعيد الأمريكي للأمور في العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وبالذات مع إيران. لقد كان واضحاً أن الولايات المتحدة هي من ورّط بريطانيا في مسألة احتجاز السفينة الإيرانية قبالة منطقة جبل طارق، مما حدا بالبحرية الإيرانية إلى أن تحتجز ناقلة بريطانيا الأمر الذي صعد التوتر بين الطرفين إلى درجة عالية، و ترك بريطانيا عاجزة عن تنفيذ تهديداتها لإيران. والأمر الآن بيد الوزارة البريطانية الجديدة لكي يختبر العالم درجة حكمتها و دبلوماسيتها لتجنب صِدام مسلح لن تكسب منه بريطانيا أي شيء.

والأهم هل سيندفع السيد جونسون ، كما اندفع الذين من قبله في الاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة و روؤسائها الذين قادوا العالم إلى كوارث كثيرة و كبيرة مثل احتلال العراق والحربين المستمرتين في ليبيا وسوريا، ناهيك عن الدور غير المباشر في الحرب اليمنية والدعم اللا محدود لإسرائيل وتجاوزاتها وخطط استيطانها و توسعها وإصرارها على الاعتداء على الدول العربية التي تجاورها، ناهيك عن القتل اليومي الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة.

ختاما يمكن القول أن تصرفات وتصريحات وأفكار السيد جونسون السابقة لا تبشر بخير ولا تعطي الانطباع المريح لمن تدور في ذهنه كل هذه الأسئلة، ولكن ربما انتخابه لهذا المنصب الخطير والمهم، وإحاطة نفسه بعقلاء وحكماء يمكن يصدقوه القول و يصححوا له مساره السياسي، يمكن أن يجعله يبتعد عن اتخاذ القرارات الاعتباطية أو تلك التي قد تقود العالم إلى كوارث جديدة، وربما ينجح هؤلاء العقلاء في أن يمنعوه من أن يجعل من بريطانيا موضع تندر كما هو الحال مع الولايات المتحدة في ظل الرئيس ترامب.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/07/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد