آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمود البازي
عن الكاتب :
دكتوراة في القانون الخاص وعضو في كرسي حقوق الإنسان

سياسة الإنكار والتوريط هل تطيح بعادل الجبير؟.. خاشقجي مرة أخرى وأخرى

 

د. محمود البازي

لقد كان لمقتل الصحفي جمال خاشقجي آثارا سلبية على السلطة الحاكمة في السعودية ودورها الإقليمي. ففي الوقت الذي تسابقت فيه القوى الغربية لإلتقاط الصور مع الأمير الشاب الداعي للإصلاح وتغيير القوانين وإيجاد حركة إصلاحية وثورية في المملكة العربية السعودية التقليدية، تلاشت هذه الآمال مع قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا. وهو ما سبب صدمة وشعور بالأسف بين الأوساط السياسية الغربية والفئات الشعبية. فلم يعد يُنظر إلى الأمير على أنه إصلاحي يسعى لتغيير السعودية من دولة داعمة للإرهاب إلى دولة عصرية ومتحضرة، بل أصبح ينظر إلى تحركاته كأنها غطاء يستخدمه للقضاء على المعارضة الداخلية والخارجية وتعزيز قوته بصفته الرجل الأول في المملكة بعد عزل بن نايف.

يبدو أن ما ذكرناه في هذه المقدمة دفع ولي العهد للظهور إعلامياً في مقابلتين في إطار الذكرى السنوية الأولى لمقتل خاشقجي ويردد محمد بن سلمان على مسامعنا بأن: “تلك كانت جريمة شنيعة وأنا لم آمر بها، لكنني أتحمل كامل المسؤولية بصفتي قائدا في المملكة العربية السعودية، خاصة أن الجريمة ارتكبها أفراد يعملون لدى الحكومة السعودية، فعندما ترتكب جريمة بحق مواطن سعودي من قبل مسؤولين في الدولة عليّ أن أتحمل المسؤولية”.

ولي العهد السعودي يبدو أنه وجد لنفسه منبراً حراً ليعبر عن حججه فيه، ومن الواضح أنه هذه المقابلات ما كانت خطابا داخليا يوجهه الأمير المأزوم للداخل السعودي، بل كان عبارة عن خطاب موجه للخارج، أظهر فيه أنه السلطة الوحيدة التي تحكم في البلاد هذه الأيام، وأنه رجل إصلاحي ولم يكن على علم بأي مما يحدث من أجهزته التي تآتمر بأمره ولا تتحرك قيد أنملة إلا بإشارة منه.

تلك معضلة بحق، أن يتحمل المسؤولية الكاملة عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي؛ ولكنه لا يُفصح عن مكان الجثة أو مصيرها، ولا ينشر تقريرا للمجتمع الدولي يوضح فيه ملابسات جريمة القتل ومن ارتكبها وما توصلت إليه المحاكمات التي تجري في السعودية.
جريمة القتل البشعة لم تقتصر على سمعة الرجل في الخارج بل تعدّتها إلى الدور الإقليمي الذي كانت تلعبه السعودية في المنطقة فبسبب السياسات المتهورة التي يتبعها بن سلمان فقد أصبحت البوصلة الإسلامية تشير إلى اتجاهات أخرى وأصبح دور السعودية هامشيا يقتصر على الدعوة لعقد قمم إسلامية وعربية لم تزد في المشهد الأقليمي والإسلامي إلا تعقيداً. فقتل خاشقجي وحرب اليمن وحصار قطر وصفقة القرن وغيرها جعلت البوصلة الإسلامية تتجه نحو تركيا وإيران بوصفهما قوى إسلامية فاعلة وأختفى بذلك الدور العربي الذي كانت تلعبه السعودية ذات يوم.
وأما على الصعيد الداخلي، فبعد هجمات أرامكو التي نفذها الحوثي ضد مصافي النقط في السعودية، والتي دآبت السعودية على اتهام ايران بها، فقد زعزعت سلطة بن سلمان في الداخل وأثارت غضبا داخليا في أوساط السلطة الحاكمة في السعودية. فكل تلك المليارات التي تم انفاقها على القوى العسكرية لم تستطع حماية عصب الحياة الإقتصادية للسعودية وأظهرت السعودية هشة أمام أصدقائها قبل أعدائها.

نعم كانت المقابلات لتلميع صورته خارجيا لإن في اعتقاده بأن الداخل مضمون ونحن نخالفه بذلك تماما.
وفي سياق متصل بإنتهاكات حقوق الإنسان سألت مذيعة 60 دقيقة ولي العهد حول بعض القضايا المحلية، حقوق المرأة على سبیل المثال واعتقال12 ناشطة مدنية منذ أكثر من عام في السجون السعودية.
لیجیب ولي العهد بأن المملكة العربية السعودية دولة تحكمها القوانين، وأنه لا يتفق مع بعض هذه القوانين، لكن طالما أنها قوانين موجودة اليوم يجب احترامها حتى يتم إصلاحها. وحول ما إذا كان الوقت قد حان لإطلاق سراح لجين الهذلول يجيب ولي العهد بأن القرار في ذلك ليس قراره بل قرار المدعي العام. وحول تعرض الهذلول للتعذيب هي ورفيقاتها يقول الرجل بأن هذا يُعد جريمة بشعة محرمة في الإسلام ومحرمة من قبل القوانين السعودية وبأنه سيتابع الموضوع بنفسه.

المشكلة في هذا الحديث المنّمق هو الحالة الإنكارية التي يعيشها ولي العهد (وبقية الديكتاتوريات) فهم تارة يتحدثون عن سلطة القانون وبأنهم لا يمكلون الحق بإطلاق الناشطات المعتقلات في السجون وتارة أخرى يقودون حملات ابتزاز ضد الأمراء السعوديين ويزجونهم في “الريتز” ويلزمونهم بدفع مبالغ طائلة خارج إطار القضاء، وهم نفسهم من يأمرون بإعتقال المعارضين وإرعاب عائلاتهم وكل ذلك يتم بأوامرهم. وعندما يتم الحديث عن إطلاق سراح ناشطات مدنيات، كل ما طالبن به هو حرية للمرأة السعودية، يقول بأنه قرار إطلاق سراحهن خارج صلاحياته. سوف ننتظر ونشاهد ما سوف ينتج عن متابعته الشخصية لملف لجين الهذلول وصديقاتها.

وعود على بدء، وكي لا نغفل موضوعا هاما فالجبير كعادته يستمر بالكذب حول اغتيال جمال خاشقجي. فمرة عندما تسأله السائلة عن جمال يرد عليه بمعتقلات “غوانتانامو” والجرائم البشعة التي تعرض لها السجناء هناك وتكرر السؤال ويصر على غوانتانامو. وفي حديث آخر أنقله حرفيا للجبير يقول: “نحن لم نقتل جمال خاشقجي بل قُتل من قبل عملاء للحكومة السعودية من دون قرار رسمي”. ها هي مرة أخرى حالة الإنكار التي يعانيها الديكتاتورين وأذنابهم. يا للعجب 15 عنصر من أعلى الرتب في الحكومة السعودية، يستقلون طائرات خاصة بالحكومة ويذهبون إلى القنصلية الحكومية السعودية ويقتلون صحفي سعودي ويقطعون جثته ويشارك القنصل الحكومي بالمهزلة ويفتح أبواب الخزائن ليثبت أن خاشقجي ليس في القنصلية، كل ذلك والقتل لم يتم بقرار رسمي؟؟؟

وكما تنبأنا يوما بعزل جون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب (على منبر رأي اليوم) يبدو أننا نعيد الكرة بالنسبة للجبير (مورط السعودية) فالرجل ورّط السعودية بقضايا عديدة أولها قضية المتعامل المحلي الذي تم تسليم جثة جمال له، ثم بعد ذلك أنكر الجبير معرفة مكان الجثة أو مصيرها، إلى الخيار العسكري الذي تدرسه الحكومة السعودية للرد على إيران (الذي أنكره ولي العهد ودعا إلى الحل السياسي). وعلى ما يبدو فسوف يضحي ولي العهد بالجبير للحفاظ على ما تبقى من الكرامة السعودية وللحد من التصريحات العجولة لصاحب مقولة “السعودية ليست جمهورية الموز”.

نهايتا؛ نكرر طلب المقرّرة الأممية “أغنيس كالامار” من الدول الكبرى في العالم حول إعادة النظر بعقد القمة المقبلة لمجموعة العشرين في السعودية 2020 في حال لم تتم محاسبة مرتكبي جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بل ونعتبر عقد هذه القمة فرصة لممارسة الضغط على السعودية لإطلاق سراح الناشطات السعوديات والسماح للمعارضين السعوديين بالعودة إلى بلادهم وإطلاق الحريات العامة وإيقاف حرب اليمن. وهذا أقل ما ننتظره من المجتمع الدولي.


صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/10/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد