آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خالد الجيوسي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي فلسطيني

حماس تُسلّم صواريخها ووصاية الأقصى تنتقل للسعوديين وإسرائيل تتولّى صد “العُدوان الخارجي” لحِمايتنا.. أهلاً بكم بدولة “فِلسطين الجديدة” التي أنوي الترشّح لرئاستها!

 

خالد الجيوسي

كشفت قناة “الميادين”، وأخيراً عن بُنود مسودة صفقة القرن الغامضة، والتي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كحلٍّ نهائيّ للصّراع العربي الإسرائيليّ، وهي بنود لا بُد من الوقوف عند بعضها تعليقاً، ولعلنا لا زلنا لا نعرف إن فشلت تلك الصفقة، ومن ساهم في إفشالها من الزعماء العرب، حيث لا يُزال يُنتظر أن يتم الإعلان عنها حتى قبل الانتخابات الإسرائيليّة، وإمكانيّة الرهان على خسارة بنيامين نتياهو، وعزل ترامب المُفترض.

تنص المسودّة بحسب ما كشفت “الميادين” بدايةً على توقيع اتّفاق ثلاثي، بين إسرائيل، والسلطة، وحماس، وإقامة دولة جديدة اسمها “فلسطين الجديدة” على أراضي الضفة الغربيّة، وغزّة، وهذه فلسطين الجديدة من دون المُستوطنات القائمة وتبقى بيد إسرائيل، لكن المسودّة تُشير إلى بقاء تلك الكتل كما هي.

كيف ستكون دولة فلسطينيّة جديدة، وحال المُستوطنات فيها سيبقى فيها على حاله، أيّ أنها دولة لو سلّمنا بقيامها، شِبه مُتآكلة حتى قبل إعلان قيامها، ثم إعلان قيامها بحسب المسودّة يحتاج إلى مُوافقة الطّرف الفلسطيني وهُما منظمة التحرير، وحماس، وأيّ تطبيق عملي لتنفيذ دولة فلسطين الجديدة المسخ هذه، يعني في القاموس الوطني “خيانة” غير مُبرّرة للشعب الفِلسطيني، وتاريخ نضاله الطّويل، وتضحياته، سواءً كان من قبل السلطة أو حركة حماس، فالاتّفاق لن يتم أو يمر إلا بتوقيع كليهما على الاتّفاق مع إسرائيل.

القدس، وهي الأغلى على كُل قلب فلسطيني وطني شريف، بحسب المُسودّة، فتنص على أنه لن يتم تقسيمها، وستكون مُشتركة بين إسرائيل، وفلسطين الجديدة، أمّا بالنّسبة للسكّان العرب فيها، فسيتم نقلهم إلى أراضي فلسطين الجديدة، أيّ أرضي الضفّة، وغزّة، ليصبحوا سكّاناً هُناك، وهُنا نَطرح تساؤلين، الأوّل كيف يُمكن أن تكون مُشتركة بين الفلسطينين، والإسرائيليين، وبالأساس القدس عاصمة لإسرائيل كان قد اعترف بها صاحب الصفقة الإمريكي نفسه ترامب، والثاني ألا يكون نقل السكّان العرب إلى أراضي فلسطين الجديدة، تفريغاً لمدينة القدس من أهلها العرب، وبالتّالي إفقادها هويتها الإسلاميّة والمسيحيّة، ثم ماذا يعني إيكال مهمّة مسؤوليّة جميع أراضي القدس للبلديّة اليهوديّة، والتي استثنت التعليم من مهامها، وتتولاه فلسطين الجديدة، والتي ستدفع ضرائب أيضاً مُقابل خدمات المياه للبلديّة اليهوديّة، أليس هذا اعتراف كامل ومُنمّق بتبعيّة عاصمة فلسطين القدس، لدولة الاحتلال الصهيونيّة، وبلديتها، ثم لماذا يدفع الفلسطينيّون مُقابل خدمات لدولة اغتصبت أرضهم، وثرواتهم، وهُم أصحاب الأرض الأصليين، ولم يأتوا من مشارق الأرض، ومغاربها.

بخُصوص أراضي قطاع غزّة، وهي الجزء الثاني من أراضي فلسطين الجديدة، المسودّة أشارت إلى منح مِصر أراضي للفلسطينيين، لغرض إقامة مطار، ولكن دون السّماح للفِلسطينين السّكن فيها، وهو ما يقضي بطبيعة الحال لإتمامه تنازلاً من حكومة حماس، وفصائلها المُقاومة عن شِعارها المرفوع فلسطين من البحر للنهر، فيما ستتنازل مِصر عن جزء من أراضيها، “كُرمى عيون الفلسطينيين، ودولتهم “الجديدة”، وهي بالتّالي لو وافقت، تُشارك في إتمام صفقة القرن، وتُدعّم نجاحها.

“الأجمل” في كُل هذا، والجمال هُنا موضع تهكّم، أن دولة “فلسطين الجديدة” تلك، لن تبقى مُقطّعة الأوصال، وسيتم ربط أراضيها بشق أوتستراد بين غزّة والضفّة كما أشارت المسودّة، فهل سيخلو هذا الطّريق السّريع من الحواجز الإسرائيليّة، والتّفتيش، والتّنكيل بحجّة “حماية فلسطين الجديدة”، وهل ستكون بمعزل عن “انتهاكات” جيش الاحتلال وتدنيسهم منازل الفلسطينيين، وعلى بُعد أمتار من منازل المسؤولين كما يحصل في رام الله، وهل تحوّلت بلادنا المُحتلّة كما وصفها أحدهم إلى مجرّد “حبتين فاصولياء”؟

الأكثر خيبةً وإيلاماً وصدمة، أنّ “فِلسطين الجديدة” رُصد لها ومشاريعها بحسب المسودّة 30 مليار دولار على خمس سنوات، وزعّت على “الثّلاثي المرح”، الولايات المتحدة الأمريكيّة، والتي ستُساهم بنسبة 20 بالمئة، الاتحاد الأوروبي 10 بالمئة، فيما الصّادم أنّ دول الخليج أو بعضها ستدفع 70 بالمئة، وستُوزَّع هذه النّسب حسب الإمكانيّات النفطيّة للدول المذكورة وفق المسودّة، فهل هذا يعني مُشاركة جميع دول الخليج بالتخلّي عن فِلسطين، ومُوافقتهم على دفع كُل تلك الأموال، مُقابل دولة مسخ، خاضعة لدولة احتلال، ثم في ماذا ستعود عليهم تلك الأموال المهولة بالنّفع؟، هل لهم أن يأمنوا مكر أمريكا، وتخلّيها عن حُلفائها، وأمن ممالكهم وعُروشهم؟، التّمويل المالي هو أساس نجاح صفقة القرن، ورفضه رغم الضّغوط، وحده من سيُجنّب تلك الدول الخليجيّة القائمة اليوم، لعنة التاريخ، والشّعوب، وحالهم الحالي جميل نقول، على أن يدوم!

دولة فلسطين الجديدة هذه، دولة هزليّة، أشبه بلعبة خياليّة كُنّا نتخيلها ونحن صغار، حين كُنت أنصّب نفسي حاكماً على الحارة بإعلان خطابي منصّته إحدى السيّارات، مُخاطباً “أطفال الحارة”، ولكن كان من غير المسموح لي كوني “طفل” أن أقود تلك السيارة، أو أقود حتى لعبة كرة قدم، فيما لو كنت لا أملك “الكرة”، وقرّر صاحبها المُغادرة، فلسطين الجديدة المزعومة هذه، تماماً كحالتي بالزّعامة على الحارة، لا يُسمح لها بأن تقود جيش، ليس لها جيش يحميها، وإن قرّر جيش الاحتلال مُقاطعة “لعبتها” ومُصادرة سلاحها الوحيد المسموح وهو سلاح الشرطة له ذلك، والأدهى والأمر أنه سيكون مسموح لفلسطين الجديدة إجراء انتخابات ديمقراطيّة، وسيكون لكُل مواطن فِلسطيني الترشّح للانتخابات، ولعلني الأنسب لهذا المنصب كوني خبير طفولي بزعامة الحارات الشكليّة!

لا بُد من التّذكير، أن فلسطين دولةٌ مُحتلّةٌ من قبل إسرائيل، ويُعتدى على شعبها من جيش الاحتلال الإسرائيلي، فكيف يكون من المنطق، والمقبول للعقل، أن تتولّى إسرائيل الدّفاع عن فِلسطين الجديدة كما تُشير المسودّة من “أيّ عُدوان خارجي”، لا بل ستدفع فلسطين ثمن هذه الحماية، هل ستتكفّل إسرائيل بحماية الفلسطينيين ودولتهم، في حال نشوب حرب مثلاً مع “محور المُقاومة”، باعتباره “العُدوان الخارجي” المُفترض والوحيد والباقي الذي يُشكّل خطراً على الدولة العبريّة؟

إطلاق الأسرى بعد الانتخابات، وإبقاء الحُدود مفتوحةً بين إسرائيل، وفلسطين الجديدة من باب الصّداقة، هذه ليست إلا عناوين ضحك على اللحى، فمتى التزمت إسرائيل بعُهودها، ومن يستطيع أن يُلزمها بتلك البُنود أصلاً، دولة مُخادعة، مُغتصبة، لا يُمكن أساساً توقيع الاتفاقيّات معها، ونقض العهود والمواثيق جبلّة باليهود، وفعلوها مع الرسول الأكرم!

ستكون العُيون مُسلّطة بالأكثر على حركة حماس، فالسلطة الفلسطينيّة مشبوهة بتنسيقها الأمني، وربّما يكون التعويل على صمودها مُبالغاً، وإن كُنّا نأمل صُمودها، فالبند الأكثر لفتاً، هو حين توقيع الاتّفاق، سيكون على الحركة الإسلاميّة “حماس” تسليم سلاحها، وتفكيك منظومات صواريخها، وتسليمهم للمِصريين، وبالتّالي انتهاء عظمتها، وأسطورتها، وقُدرتها على إرغام إسرائيل المُسارعة إلى طلب الهُدنة، خلال عدوانها على القطاع المُحاصر.

صفقة القرن يتضمّن إحدى بنودها، انتقال الوصاية الهاشميّة إلى السعوديّة، بدل الأردن، وهو ما يرفضه الأخير، مما يطرح تساؤلات حول كيفيّة تطبيقه، وهل يُصبح العاهل السعودي خادم الحرمين والأقصى، وهل يجري استبدال حراس الأقصى الأردنيين، بالسعوديين، وما هو موقف الأردن من هذا، وربطه مع فلسطين الجديدة عبر طريق من مسلكين يُشرف عليه الفِلسطينيين، وهل تستطيع منح إسرائيل الوصاية للسعوديّة مُقابل التطبيع والسلام العلني، وبالتالي انعدام الحاجة للوسيط الأردني بينهما؟

نعتقد خِتاماً، إنّ إسرائيل هي المُستفيدة الوحيدة، في حال تطبيق بنود الاتّقاق، فهي صفقة تم إعداد بنودها في المطبخ الأمريكي، وبالتّالي يصعب علينا تصديق بند أنه في حال رفض إسرائيل للصّفقة، فإنّه سوف يتوقّف الدعم الاقتصادي لها، وهي لن ترفضها لأنها تخدم مصالحها، أمّا بالنسبة لحماس والسلطة، فإنّ التهديدات التي تُلوّح بها إدارة ترامب، ليست بالجديدة، فتلك الإدارة ستزول بالنّهاية، ومُهدّدة بالعزل، أو خسارة الانتخابات، فيما فلسطين ستبقى، وإلغاء الدعم المالي الذي تُهدّد به في حال رفضهما الصّفقة لن يطول، إما في حال رفض حماس، والجهاد الإسلامي الصفقة وحدهما دون السلطة، وهو المُتوقّع والمأمول والمُمكن لإفشال صفقة القرن، وفلسطين الجديدة لا تقوم إلا بتوقيعهما، فإنهما كما تشير المُسودّة، يتحمّلان المسؤوليّة، ففي أيّ عدوان إسرائيلي، فإنّ أمريكا ستقف إلى جانب إسرائيل، وستدعم إلحاق الأذى بقيادات حماس والجهاد شخصيّاً، مُنذ متى وقفت أمريكا إلى جانب حماس والمُقاومة، أو اختارت الحياد حتى تخشى حماس تهديدها، ثم إنّ جميع قادة المُقاومة في غزّة مشاريع شهادة، ومُناهم نيلها، فلسطين بالنّهاية أغلى من كُل ذلك الهُراء، فبئس تلك الصّفقة وأصحابها، وعاشت بلادي حُرّةً أبيّة.


صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/12/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد