آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فؤاد البطاينة
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة رأي اليوم

نخب صهيونية تدافع عن الفلسطينيين.. وخبثها عميق مغطى بقشة.. نخبنا الحقيقية مهاجرة وتفوقها قدرات فكرية وسياسية وثقافية.. فهل تتمرد على فرديتها وتتداعى لمشروع ممأسس

 

فؤاد البطاينة

يتبادل المواطنون العرب كثيرا من مقاطع فيديوهات لسياسيين ومفكرين يهود وهم يحاضرون في لقاءات ومحافل نخبوية أوروبية وعالمية ينتقدون فيها السياسات الإسرائيلية التمييزية ضد المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ويضربون الأمثال على سياسة الكيان الصهيوني في اضطهادهم والانتقاص من حقوقهم المعيشية والخدماتية ويقارنون في هذا وضعهم الرث بوضع اليهود في فلسطين. وهم في هذا يطرحون أنفسهم كمعارضين يهود ومناصرين للفلسطينيين . مواطنونا العرب يتبادلون هذه الفيديوهات مبتهجين من قبيل أن هناك يهوداً منصفين ومعرين لسياسة الاحتلال ورافضين لها, وأنهم جزءاً من المعسكر المعادي لإسرائيل . ولكن المخفي أعظم.
لا شك بأننا شعب عاطفي يتأثر بالمنطوق دون الغوص في المضمون وعناء البحث والتقييم. وخصوصاً عندما يكون الكلام من الجانب الأخر . الكلمة عندنا كعرب تصنع سحراً يمحي الواقع والحقيقة وتحل من العُقد ما لا يستطيع عليه القانون، وتُجسّد الباطل أحياناً. والكثير من عاداتنا وتقاليدنا هي من منتوج صناعة الكلام وأدبه. ولعل ما يعرف بالجاهات العشائرية والاجتماعية عندنا تقوم على قوة تأثير واحترام الكلمة. ولا ننسىى في هذا أن معجزة الرسول لعرب الجزيرة كانت ابتداء في قوة البلاغة القرآنية وحكمتها حين تصدر من أمي ويتيم الأبوين ، بينما هي للإنسان في كل العصور معجزة علمية اجتماعية لا تنتهي، ولا تجاريها عقول بشرية. وبالمناسبة فلطالما فكرت بالسبب في عاطفية الشعب العربي وتقديسه للكلام حتى صارت الكلمة عنده تساوي الفعل وتُغني عنه (تسقط الصهيونية وعالبيت، لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض. وعالبيت ) وكانت أفضل نتيجة وصلتها أنه شعب له أذنين صديقتين للسمع وعينين معاديتين ـ وعداء للتغيير.
العدو الصهيوني لا يدخل حرباً إلا بخطة تقوم على فهم ثقافة الأخر من الشعوب واستغلال الثغرات فيها. وإن كان يركز في هذا على فهم واستغلال ثقافة العربي ، فإنه أيضاً يدرس ويستغل ثقافة الشعوب ليسهل عليه حشدها في حروبه وخاصة مع العرب. وبهذا أتذكر بأن مداخلات نتنياهو في مجلس الأمن حين كان مندوباً للكيان المحتل كانت تخلو تقريبا من السياسة لصالح استنفار مشاعر الأمريكي والغربي ضد العرب بقصص عجائز مضخمة أو مُختلقة. ونحن كعرب معنيين جداً بضرورة فهم سلوك عدونا الصهيوني هذا وبالتوقف عند كل ما يصدر منه للإعلام الدولي ولا نسارع بابتلاع ما يبدو منه إيجابياً بل بوضعه في قفص الاتهام وإخضاعه للتحليل ونعريه ونرد عليه.
إن ما تقوم به تلك النخب الفكرية الصهيونية من خلال تلك المحاضرات التي نتداولها هو أعمق أساليب الحملات الإعلامية في الخبث والإضرار بالقضية الفلسطينية والحقوق العربية ، ورسالتها موجهة للغرب وللعالم بطريقة غير مباشرة يسهل ابتلاعها . ونحن العرب نتداولها لحلاوة كلامها ودغدغتها لعواطفنا حتى صرنا نتقبل أصحابها الصهاينة كأصدقاء لنا ويحسون بألمنا دون أن نغوص في ما ينطوي عليه كلامهم كي نواجههم بالحقيقية. وهي أن من يريد أن ينصف الشعب الفلسطيني صدقاً لا تأمراً فلينصفه بحقه بوطنه وتحرير وطنه . وبأن الشعب لفلسطيني مهما حورب بمعيشته وبأمنه فليس له أولوية تعلو على أولوية التحرير.
 فتلك النخبة اليهودية عندما يتقمصون صورة المنتقد والمعارض لدولة الاحتلال أمام الغرب والعالم وإعلاميه ويطالبونها بانصاف الفلسطينيين بتحقيق مستوى معيشي وخدماتي لائق كما يقدمونه لليهودي او المستوطن ، فإنما بخبثهم هذا يضعون القضية الفلسطينية وجوهرها خلفهم ، ويُدخلون للعقل العالمي بصورة سلسة وغير مباشرة بأن القضية الفلسطينية مسألة منتهية ومحسومة ، وأن البداية التي يجب أن يعمل الجميع منها وعليها هي مساعدة الفلسطينيين والضغط على الكيان الصهيوني لانصافهم ورعايتهم كما ترعى مواطنيها اليهود ،وتوفير الماء والكهرباء والرعاية الصحية لهم . وهذا كلام لعين . ففيه الإحتلال لأراضي ووطن الفلسطينيين ليست قضية بالنسبة لهذه النخبة اليهودية المتصنعة لعداء السلوك الاسرائيلي ولصداقة الفلسطينيين . ولا تطرح شيء اسمه احتلال او قضية فلسطينية سياسيه منشؤها الاحتلال. فكلام كلام تلك النخبة اليهودية ما لم يحاكي الاحتلال والحقوق الفلسطينية الوطنية ويضعه سبباً لمعاناة الشعب الفلسطيني بكل أوجهها ، ومعاناة كل شعوب المنطقة ، سيبقى دساً صهيونياً وتسويقاً لمفهوم وفكرة صفقة القرن.
 ويبقى السؤال الأهم في هذا السياق هو، من هي الجهة العربية الفكرية أو السياسية أو الإعلامية التي عليها متابعة افتئاتات الصهيونية واختراقها المبطن للساحة الأوروبية والدولية ومواجهتها . وهل ننتظر الجامعة العربية لتقوم بهذا الدور أم السلطة الفلسطينية أم منظمات المجتمع المدني الممولة أجنبيا ؟ .هناك في الشعب الفلسطيني نخباً فكرية وسياسية وأكاديمية وطنية تعيش في أوروبا وأمريكا وفلسطين والأقطار العربية وتعرف الثقافة الغربية واللغة التي يفهما شعب الغرب. إنها نخبة لا يطاولها جهابذة الصهيونية كفاءة وقدرة.
أتمنى على هذه النخب الوطنية أن تستثمر وجودها في مناخ يستوعب الكلمة والحوار ، وأن تثور على فرديتها وعلى تهميشها من قبل السلطة العميلة وفصائلها المدجنة ، وأن تتداعى للإلتقاء لتشكيل ومأسسة نواة عربية فكرية سياسية إعلامية في قلب الغرب وشعبه ، وأن توصل رسالة الفلسطيني لشعب هذا الغرب ونخبه وأن لا تُبقى على الساحة الغربية حكراً للنخب الصهيونية . ولتكن هي اللوبي الشعبي العربي . فلسطين وطنها الأم والعروبة قوميتها وحاضنتها وليس لها أن تنتظر عباس ليطلب منها هذا . ولعلي أسمي على سيل المثال الحميد من بينهم الدكتورة حنان عشراوي لتكون المحرك لهذا المشروع الكبير الذي نحن في أمس الحاجة إليه ، ومشروع كهذا يحتاج للمال الشعبي ، وإن تَخلف أصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين والعرب عن التمويل ففلس القضية الفلسطينية واجب على كل عربي وكل مسلم في هذه المعمورة . إنه فلس الأقصى وكنيسة القيامة ، ولن يعجزنا رسم الخطة ولا تنفيذها.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/11/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد