آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خليل كوثراني
عن الكاتب :
كاتب لبناني

لقاء أوّل «إيجابي» وآخر الأسبوع المقبل: مفاوضات سرية سعوديّة ــــ إيرانيّة برعاية بغداد

 

خليل كوثراني

للمرّة الأولى، وبعد انقطاع طويل الأمد للتواصل عند هذا المستوى، ووسط نفي سعودي وإيراني، بدأت كلّ من السعودية وإيران حواراً استراتيجياً يحوطه كتمان شديد، يتناول الملفّات كافة. حوار من المرشّح أن تشكّل نتائجه منعطفاً كبيراً في الإقليم، وأن تلقي بظلالها على مختلف الساحات الساخنة في المنطقة، ولا سيما لبنان واليمن

كان من المفترض، وفق اتفاق بين السعوديين والإيرانيين والعراقيين، أن يظلّ خبر اللقاء المباشر الأوّل منذ أمد، بين الرياض وطهران، طيّ الكتمان، لاعتبارات إيرانية وسعودية عديدة. إلا أن تسريباً في الصحافة البريطانية، أمس، خرَق الاتفاق، ليسارع الجانبان إلى معالجة الأمر بالنفي، تأكيداً لحسن النيات وتجنّباً لتأثير التسريب. لكن مصادر عراقية واسعة الاطلاع أكّدت، لـ«الأخبار»، صحّة التسريب حول اللقاء الذي كان قد أُعِدّ له بعناية في الآونة الأخيرة، وأحاطته بغداد بجهودها، فهي تقود الوساطة، وتحديداً بشخص رئيس وزرائها مصطفى الكاظمي.

وفدان رفيعا المستوى، يمثّلان قيادتَي البلدين ومختلف المؤسسات والأجهزة فيهما، التقيا في القصر الرئاسي في المنطقة الخضراء وسط بغداد، وعلى طاولتهما جميع الملفّات العالقة؛ سواء العلاقات الثنائية أو الملفّات الإقليمية؛ على رأسها اليمن ولبنان. الوفد السعودي ضمّ 6 أشخاص، بينهم مستشار أمني رفيع المستوى لوليّ العهد محمد بن سلمان، ورأسه رئيس الاستخبارات خالد بن علي الحميدان. أمّا الوفد الإيراني فتَشكّل من 5 أشخاص، ورأسه مسؤول رفيع المستوى في المجلس الأعلى للأمن القومي، وضمّ ممثّلين عن الأجهزة الإيرانية كافة، بما فيها الحرس الثوري و«قوة القدس» التابعة له. وأكدت المصادر أن عمل الوفد الإيراني يحظى بمباركة وإشراف من القائد الأعلى في إيران، علي خامنئي.
أمّا عن نتائج اللقاء، فتفيد معلومات «الأخبار» بأن اللقاء كان «إيجابياً جدّاً» وفاق بعض التوقّعات، وقد قرّر السعوديون والإيرانيون أن يعقدوا لقاءً ثانياً، في بغداد أيضاً، ضُرب له موعد قريب، الأسبوع المقبل، وبات على جدول أعمال بغداد والوفدين. ويتخوّف الجانب العراقي، الحريص على نجاح المفاوضات، من أن يؤثّر التسريب الإعلامي على مصير المفاوضات، كما تلمّست بغداد انزعاجاً كبيراً لدى الطرفين من التسريب. وفيما لم تنف الحكومتان، حتى ليل أمس، بشكل رسمي وقوع اللقاء، كانت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، مسرّبة الخبر نفسها، قد نقلت عن مسؤول سعودي نفيه حدوث اللقاء، كذلك فعلت مصادر إيرانية نفت لوسائل إعلام أن يكون اللقاء قد تمّ. وقالت مصادر «الأخبار» إن الإيرانيين وضعوا حلفاءهم في الإقليم في أجواء المحادثات، وإن لدى طهران تقديراً أوّلياً بأن المسار «إيجابي وواعد»، ولا سيما مع تلمّس حرص الرياض على تخفيف التوتّر في منطقة الخليج.

على مدار السنوات الأربع الماضية، ظلّت إيران تقدّم العروض المتتالية لإجراء حوار مماثل

تحوّل سعودي
يعدّ انطلاق المفاوضات بين السعوديين والإيرانيين، بحدّ ذاته، حدثاً سعودياً كبيراً. إذ إن إيران، على مدار السنوات الأربع الماضية، ظلّت تقدّم العروض المتتالية لإجراء حوار مماثل. لكن الموقف السعودي بقي ثابتاً، ولا سيما في ظلّ إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، على رفض الحوار والتعاون، بل إن شراكة ترامب ــــ ابن سلمان تمادت في توقّعاتها، وصولاً إلى مساهمة سعودية في سياسة الضغوط من أجل إسقاط نظام طهران. وهو ما يمكن تتبّعه في تصريحات عديدة، بينها تصريح ابن سلمان في 2017 في حوار مع قناة «العربية»: «يريدون السيطرة على العالم الإسلامي. منطقهم تحضير البيئة الخصبة لحضور المهدي المنتظر. النظام الإيراني قائم على أيديولوجية متطرفة، فكيف يمكن التفاهم معه؟ نعرف أن السعودية هي هدف أساسي للنظام الإيراني»، وقال: «لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سوف نعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران». كما كان ابن سلمان، في مناسبة أخرى، قد شبّه خامنئي بـ«هتلر المنطقة». الموقف السعودي الذي دخل في رهان على حملة ترامب، يمكن تتبّع سياسته تجاه طهران أيضاً في الوثائق التي نشرتها «الأخبار» («إطار الشراكة الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين» 2017، نشر في 2019) والتي تشير إلى برنامج عمل مشترك يمتدّ لـ 3 سنوات يفضي إلى إسقاط نظام طهران.
لم يتحقّق للسعوديين، بطبيعة الحال، ما لم يتحقّق للأميركيين. الواقع أن الرياح ظلّت تعاكس أشرعة ابن سلمان باتجاه واشنطن وملفات الإقليم، في السنوات الأخيرة، بل ازداد عصفها بعد قتل جمال خاشقجي. واليوم، تظهر في خلفية المنعطف السعودي جملة أسباب واقعية للتهدئة والحوار، لكن الأساس فيها هو مجيء إدارة جو بايدن، وشروعها في حوار غير مباشر مع إيران لن تشارك فيه السعودية إذا ما قُدّر له التطوّر، وتوجّهها لإعادة إحياء الاتفاق النووي، بموازاة فتور في العلاقات على خطّ البيت الأبيض ــــ قصر اليمامة، من خلال ما يرى محلّلون أنه مسعى بايدن لتدفيع ابن سلمان ثمن اصطفافه المتمادي إلى جانب ترامب على حساب معسكر الحزب الديموقراطي.

الأميركيون كانوا على علم
نقلت وكالة «رويترز»، أمس، عن «دبلوماسي غربي في المنطقة» أن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا على علم مسبق بالمحادثات السعودية الإيرانية، «لكن لم تطّلعا على أي نتائج». وبالعودة إلى تفاصيل التسريب حول اللقاء الذي جرى في التاسع من نيسان الجاري، فقد ذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أن مسؤولين إيرانيين وسعوديين رفيعي المستوى، أجروا محادثات مباشرة تهدف إلى إصلاح العلاقة بين الغريمين في المنطقة، بعد خمس سنوات شهدت انقطاعاً للعلاقات الدبلوماسية، بحسب ثلاثة مسؤولين مطّلعين على القضية. وكشف التقرير أن المفاوضات تجرى بوساطة عراقية، قام بها الكاظمي، الذي كان قد أجرى محادثات مع ابن سلمان في الرياض الشهر الماضي. وأكّد مسؤول عراقي كبير ودبلوماسي أجنبي حصول المحادثات. كما أشار المسؤول العراقي إلى أن بغداد أمّنت أيضاً «قنوات الاتصال» بين إيران ومصر وإيران والأردن. وقال مصدر الصحيفة البريطانية إن المسألة تتمّ بهذه السرعة لأن «محادثات الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي تجري بسرعة، وبسبب هجمات الحوثيّين أيضاً».

جريدة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2021/04/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد