#تقرير_خاص: السعودية واستضافة كأس العالم 2034: بين الطموح والتحديات الإنسانية

علي الزنادي
تُعدّ استضافة السعودية لكأس العالم 2034 فرصة تاريخية لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية، ولتطوير بنيتها التحتية بشكل كبير. إلا أن هذا الطموح يواجه انتقادات حادة من منظمات حقوقية دولية، تحذر من تكرار مأساوي قد يهدد سمعة المملكة ويكشف عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
تشير تقارير “هيومن رايتس ووتش” و”فير سكوير” إلى ارتفاع عدد وفيات العمال الأجانب خلال عمليات بناء المنشآت الرياضية والبنية التحتية المرتبطة بالمونديال. فحوادث العمل التي أدت إلى مقتل ما يقارب خمسين شخصًا، تكشف عن غياب الرقابة الصارمة وإجراءات السلامة الضرورية في مواقع البناء.
المثير للقلق هو عدم فتح السلطات السعودية أي تحقيق رسمي في هذه الحوادث، وعدم تقديم أي تعويضات لعائلات الضحايا الذين ينحدرون من بنغلادش والهند ونيبال. هذا التصرف يعكس تجاهلاً واضحًا لحقوق الإنسان، ويزيد من معاناة الأسر التي فقدت أعزاءها دون أدنى مسؤولية أو محاسبة.
كما أن نظام الكفالة الذي لا يزال سائدًا في المملكة يُعَزز من ظروف العمل القاسية والعبودية الحديثة، حيث يُمنع العمال من الاعتراض أو التغيُب عن أماكن عملهم بحرية. هذا النظام يُعدّ أحد أبرز العوامل التي تسهم في انتهاك حقوق العمال، ويُعرقل جهود تحسين ظروفهم المعيشية والمهنية.
انتقدت المنظمتان الدوليتان عدم استفادة الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” من دروس مونديال قطر 2022، خاصة فيما يتعلق بظروف العمل تحت درجات حرارة عالية. فاستمرار ممارسة البناء في ظروف قاسية يعكس إهمالًا واضحًا لسلامة وصحة العاملين، ويهدد حياة الكثيرين منهم.
وفي الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة البناء استعدادًا للمونديال، تتواصل الانتهاكات الحقوقية بشكل مروع. إذ لا تزال قوانين نظام الكفالة تفرض قيودًا صارمة على حرية العمال، وتمنعهم من التعبير عن مطالباتهم بحقوقهم الأساسية.
هذه الانتهاكات ليست مجرد قضايا فردية أو عابرة؛ فهي تعكس منظومة أوسع من السياسات التي تضع الربح على حساب حياة الإنسان وكرامته. إن استثمار المملكة في البنية التحتية يجب أن يكون مصحوبًا باحترام حقوق العاملين وحمايتهم من الاستغلال والإيذاء.
على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية أن يضغطوا على السلطات السعودية لإجراء تحقيقات شفافة وعادلة في حوادث الوفاة، وتقديم التعويضات اللازمة لعائلات الضحايا. كما يتوجب على الرياض مراجعة نظام الكفالة وإقرار قوانين تحمي حقوق العمال بشكل كامل وشفاف.
أما “فيفا”، فمطلوب منه أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية عبر فرض معايير صارمة لضمان سلامة وظروف عمل عادلة أثناء تنظيم البطولات الكبرى. فالمسؤولية لا تقع فقط على الحكومات وإنما أيضًا على المؤسسات الرياضية الدولية التي تروج لهذه الأحداث العالمية.
وفي النهاية، فإن استضافة كأس العالم يجب ألا تكون مجرد حدث رياضي يُحتفى به عالميًا، بل فرصة لتعزيز قيم العدالة والإنسانية. فالأحداث الكبرى مثل المونديال تحمل رسالة قوية عن احترام حقوق الإنسان وحيمتها فوق كل اعتبار آخر.
إن مستقبل الرياضة العالمية يعتمد على مدى قدرتنا جميعًا – حكومات ومنظمات ومؤسسات – على ضمان أن تكون هذه الأحداث مناسبة للفرحة والتلاحم وليس مصدر ألم.
أضيف بتاريخ :2025/05/22