#تقرير_خاص: العدالة المهددة في ظل النفوذ السياسي والتجاري: قضية حنان العتر وبراءة حقوق الإنسان

علي الزنادي
تُسلط قضية حنان العتر، أرملة الصحفي جمال خاشقجي، الضوء على التحديات الكبرى التي تواجه العدالة في عالم يتداخل فيه النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية. فرفض محكمة الدائرة الرابعة في الولايات المتحدة دعوى ضد شركة NSO الإسرائيلية، يثير تساؤلات عميقة حول مدى استقلالية القضاء أمام الضغوطات الدولية والاقتصادية.
تؤكد المحكمة أن شركة NSO ليست مسؤولة قانونيًا عن الاختراق الذي تعرضت له هاتف حنان العتر، لأنها ترى أن المراقبة تمت بتوجيه من السعودية والإمارات وليس من قبل الشركة مباشرة. ومع ذلك، فإن هذا التفسير يثير الشكوك حول مدى حيادية التحقيق، خاصة مع وجود أدلة فنية قدمتها مؤسسة Citizen Lab الكندية تؤكد استخدام برنامج “بيغاسوس” لاختراق الهاتف دون إذن.
من جهة أخرى، تذكر حنان العتر أنها تعرضت للاحتجاز والاستجواب في دبي عام 2018، وهو ما يعزز فرضية أن هناك شبكة من العمليات الأمنية التي تتداخل فيها مصالح دولية وإقليمية. هذه التصريحات تضع علامات استفهام حول مدى احترام حقوق الإنسان وخصوصية الأفراد في سياق الصراعات السياسية.
رغم الأدلة التي تشير إلى تورط الحكومة السعودية في مقتل خاشقجي، لم تتخذ الإدارة الأميركية موقفًا حاسمًا يوازي حجم الجريمة. اكتفت واشنطن بإصدار تصريحات تدين الحادثة، وهو ما يعكس تغليب المصالح الاقتصادية على المبادئ الأخلاقية وحقوق الإنسان.
هذا التردد الأميركي يعكس واقعًا مريرًا: أن المصالح التجارية والعلاقات الدبلوماسية غالبًا ما تتقدم على العدالة وحقوق الضحايا. فالشركات التقنية الكبرى مثل NSO تستفيد من بيئة سياسية غير مستقرة وتواجه ضغوطات من الحكومات التي تستخدم أدواتها لأغراض قمعية أو انتقامية.
وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون التكنولوجيا أداة للشفافية وحماية الحقوق، فإنها تُستخدم أحيانًا كوسيلة للسيطرة والتجسس على الأبرياء. إن استخدام برامج مثل “بيغاسوس” لاختراق الهواتف دون إذن يمثل انتهاكًا صارخًا للخصوصية ويهدد أسس الحرية الشخصية.
كما أن دعم المؤسسات الحقوقية المستقلة وتحليلها الفني المستقل يُعد خطوة مهمة نحو كشف الحقيقة ومساءلة الجهات المتورطة. فالتقارير الفنية التي تؤكد استخدام البرنامج بشكل غير قانوني تظهر الحاجة إلى رقابة دولية أكثر صرامة على صناعة التكنولوجيا العسكرية والمدنية.
وفي سياق أوسع، تبرز هذه القضية الحاجة الملحة لإعادة النظر في معايير المسؤولية القانونية للشركات التقنية عند استخدامها لأغراض أمنية أو تجسسية. هل يمكن اعتبار الشركات مسؤولة عن نتائج استخدام برمجياتها إذا كانت تُستخدم بشكل غير قانوني أو خارج إطار القانون؟
وفي النهاية، فإن قضية حنان العتر تذكرنا بأن العدالة ليست مجرد مسألة قانونية بحتة بل هي أيضًا اختبار لمدى التزام الدول والمنظمات الدولية بقيم حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية. فغياب العدالة الحاسمة يعزز الشعور بالإحباط ويشجع على استمرار الانتهاكات دون محاسبة.
إن حماية الحقوق الأساسية يجب أن تكون أولوية عالمياً، خاصة عندما تتداخل مع مصالح اقتصادية وسياسية ضخمة. فالمسؤولون عن الانتهاكات يجب أن يُحاسبوا بغض النظر عن مكانتهم أو نفوذهم، لضمان عدم الإفلات من العقاب ولتعزيز ثقافة العدالة والشفافية.
أضيف بتاريخ :2025/05/25