التقارير

#تقرير_خاص: سعودية وتحول البوصلة الاستثمارية: من الواقع إلى العالم الافتراضي

علي الزنادي

على مدى سنوات، عكست خطط السعودية الطموحة سعيها لتنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط، من خلال مشاريع ضخمة مثل نيوم والدرعية وتروجينيا وغيرها. لكن، مع مرور الوقت، بدأت تظهر علامات على أن العديد من هذه المبادرات تواجه مصاعب جمة، وأبرزها ارتفاع التكاليف، صعوبة التنفيذ، وغياب الاستدامة المالية. في ظل ذلك، تظهر أنظار المستثمرين والحكومة السعودية الآن تتجه بشكل أكبر إلى العالم الافتراضي، في محاولة لتعويض الفشل وتحقيق مكاسب جديدة.

مشروع نيوم، الذي أعلن عنه في 2017، وكان يُعَدد ليكون مدينة مستقبلية تكنولوجية متطورة، لم يُحقق بعد الأهداف المأمولة، بل أصبح يعاني من تحديات التمويل والتنفيذ، حتى أن سعره الذي كان يُقدر بمئات المليارات بدأ يتراجع تدريجيًا، ويبدو أن حلم المدينة الذكية يواجه صعوبات في التحقق على أرض الواقع. هذا الوضع يعكس حقيقة صعبة: أن مشاريع البنية التحتية العملاقة ليست دائمًا ضمانة للنجاح، خاصة في بيئة تتطلب استدامة وتمويلًا مستمرًا، وعملة تتغير بسرعة.

في المقابل، تتجه الرياض حالياً إلى استثمار مئات المليارات في مجالات التقنية الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي، والألعاب الإلكترونية، والتقنيات المتقدمة، كجزء من استراتيجية لتنويع الاقتصاد وتحقيق النمو من خلال الاقتصاد الرقمي. هذه الخطوة تأتي كتأكيد على أن الرياض ترى في العالم الافتراضي فرصة جديدة، ربما أكثر أمانًا وربحية، لمواجهة الفشل الذي طال العديد من المشاريع على الأرض.

لكن السؤال المحوري هو: هل يمثل التركيز على المجال الافتراضي هروبًا من الواقع، أم تطوراً طبيعياً في سياق التحولات العالمية؟ فالعديد من الدول والشركات تتجه اليوم نحو الاستثمار في التكنولوجيا والقطاع الرقمي، لما يوفره من فرص ربح واتساع السوق والابتكار. ومع ذلك، فإن الاعتماد المفرط على العالم الافتراضي قد يثير تساؤلات حول مدى قدرة الاقتصاد السعودي على الاستدامة بعيدًا عن النفط، خاصة وأن السوق الرقمية تتسم بدرجة من التقلبات والتحديات.

وفي سياق التغيرات الاقتصادية الكبرى، يبقى أن مشاريع ضخمة على الأرض كانت تمثل طموحات تلعب دورًا في تعزيز مكانة السعودية الإقليمية والعالمية. لكن، مع الإخفاقات التي منيت بها، يبدو أن الاعتماد على مشاريع ضخمة ذات تكلفة عالية، غالبًا ما تتأخر أو تُفشل، ليس الحل الأوحد أو الأفضل.

علاوة على ذلك، فإن الأزمة الحالية تظهر الحاجة الماسة إلى إصلاحات اقتصادية حقيقية تركز على تعزيز القطاعات الحيوية، وتحسين بيئة الأعمال، وتطوير الصناعات المحلية، بدلاً من الاعتماد على مشاريع مُعلنة ضخمة قد لا تُحقق الأهداف المرسومة. فالإبداع والابتكار الحقيقي نبعت عادة من استثمارات مستدامة ومصادر دخل متنوعة، وليس فقط من مشاريع ضخمة وذرائع إعلامية.

وفي النهاية، يبقى مستقبل رؤية السعودية الاقتصادية مرهونًا بكيفية إدارة تحولاتها بين الواقع الافتراضي والواقع المادي، وبين مشاريعها الكبرى وبين استثمارها في الإبداع والتقنية. إذ أن التوازن بين هذه العناصر هو ما سيحدد قدرة المملكة على تحقيق تنمية مستدامة تواكب العصر وتفضي إلى نمو اقتصادي متفرد، بعيدًا عن الوهم أو الاعتمادية المطلقة على النفط.

أضيف بتاريخ :2025/10/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

فيسبوك

تويتر

استبيان