#تقرير_خاص: مبادرة مستقبل الاستثمار: عُقدة التوازن بين النفوذ والواقع في ظل التطبيع الاقتصادي
عبدالله القصاب
تحت عنوان "مبادرة مستقبل الاستثمار"، انطلقت نسختها التاسعة في الرياض، في احتفالية مميزة ترسل رسائل عدة عن مكانة السعودية الدولية، وعن رغبتها في أن تظل مركزًا جاذبًا لرؤوس الأموال العالمية. ولكن، هل يعكس هذا الحدث حقًا قوة واستقلالية المملكة الاقتصادية، أم أنه يعبر عن مسار جديد ينحرف عن استراتيجيات التنمية الشاملة ويصب في خدمة أجندات سياسية؟
للأسف، تشير بعض المؤشرات إلى أن المؤتمر يحمل في طياته رغبة السعودية في تلميع صورتها عبر استعراض نفوذها وجذب المستثمرين، خاصة في ظل استمرار الاعتماد على التمويل الخارجي لسد عجز الميزانية. فالسعودية لا تزال بحاجة ماسة إلى تدفقات استثمارية قوية، وتوظيف هذا الحدث لإظهار قوتها الاقتصادية، يعكس في جوهره محاولة للتوفيق بين الواقع الاقتصادي والسياسات الإقليمية والدولية.
وفي سياق المؤتمر، ظهرت شخصيات دولية بارزة، ليس فقط لدعم الاقتصاد السعودي، وإنما أيضًا من أجل دعم قضايا سياسية لصالح الاحتلال الإسرائيلي. فوجود شخصيات مثل بيل أكمان وجيمي ديمون يعكس بشكل واضح توجهًا يستغل المنتديات الاقتصادية لأغراض سياسية، حيث يُستثمر الحدث لتحقيق مصالح معينة على حساب المبادئ الأخلاقية والإنسانية، خاصة مع الدعم المعلن للمحتل الإسرائيلي.
تجاهل مثل هذه المواقف المعلنة يثير علامات استفهام حول أهداف السياسات الاقتصادية السعودية، التي قد تقترب إلى أن تكون أداة لتعميق التطبيع مع الاحتلال، في ظل تواطؤ غير معلن من بعض الشركات الكبرى العالمية. هذا الوضع يعكس تحولًا في المشهد، حيث يُنظر إلى الاقتصاد كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية، وهو أمر يثير قلقًا بشأن مستقبل العلاقات الدولية ومصداقية المبادرات الاقتصادية السعودية.
أما على المستوى المحلي، فإن الاعتماد على التمويل الخارجي قد يضع السعودية في مسار يعتمد على قروض واستثمارات خارجية، مما يجعله عرضة لأي تقلبات عالمية. هذا الاعتماد، الذي يبدو وكأنه حاجة ملحة لتمويل العجز، قد يؤدي إلى تحكّم خارجي في السياسات الاقتصادية، ويهدد بسيادة القرار الوطني.
كما أن التوجه نحو التطبيع الاقتصادي غالبًا ما يُنظر إليه على أنه خطوة سياسية قد تُفضي لاحقًا إلى تطبيع أوسع، بما يشمل العلاقات الدبلوماسية والثقافية، وهو مسار يحمل مخاطر متعددة على المجتمع والهوية الوطنية. فالمنتدى، برغم أنه منصة لتعزيز الاستثمار، إلا أن تعميق صورة التطبيع يثير مخاوف من تغيير في الموقف الرسمي، ويعيد أسئلة حول مدى احترام القيم والمبادئ الوطنية.
وفي النهاية، يتعين على السعودية أن توازن بين مصالحها الاقتصادية ومبادئها الوطنية، وألا تسمح للاستثمار أن يتحول إلى وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ضيقة. فاقتصاد قوي يتطلب استراتيجيات تنمية حقيقية، تعتمد على تنويع مصادر الدخل، وشفافية، ومواقف واضحة إزاء القضايا الأخلاقية والإقليمية.
ختامًا، يبقى مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" منصة مهمة، لكن الأهم هو أن تتجاوز الصورة القشورية التي قد تُخلق من وراء المظاهر، وتتجه نحو مسار يدمج بين النمو الاقتصادي المستدام والمواقف الأخلاقية، ويحترم القيم الوطنية، لضمان مستقبل أكثر نضجًا واستقرارًا.
أضيف بتاريخ :2025/10/31










