التقارير

#تقرير_خاص: هل تسيطر القيود الأمنية على روحانية فريضة الحج؟

علي الزنادي

في ظل التطورات والتحديثات التي تشهدها المملكة العربية السعودية بشأن تنظيم موسم الحج، يبرز جدل واسع حول السياسات الجديدة التي تتسم بالمزيد من التضييق والقيود على الحجاج. حاولت السلطات من خلال هذه الإجراءات تنظيم الحشود الضخمة وضمان الأمن والسلامة، إلا أن الواقع يكشف عن فجوات كبيرة تؤثر سلبًا على تجربة الحجاج، وتشوّه جوهر هذه الشعيرة الدينية المقدسة.

من أبرز هذه القيود قرار حظر التصوير داخل الحرمين الشريفين، وهو خطوة يرى فيها الكثيرون تقييدًا غير مبرر لحقوق الحجاج في توثيق رحلتهم الإيمانية. فالصور ليست مجرد ذكريات، بل وسيلة لإثراء الذاكرة الجماعية والنقد البنّاء، خاصة مع وجود تجاوزات تنظيمية قد تتطلب رقابة شعبية. هذا النفي لحق التصوير يعكس تراجعًا في مفهوم الشفافية، ويحول الفريضة إلى تجربة غامضة تتضاءل فيها أبعادها الإنسانية.

كما أن نظام التفويج الصارم، الذي يفرض تنظيمًا صارمًا للمسافرين، يتسبب في إرهاق جسدي كبير، خاصة في ظل درجات الحرارة المرتفعة التي تعصف بالمشاعر. ضعف الإجراءات الصحية الميدانية يزيد من مخاطر الإجهاد الحراري، ويضعف من جاهزية الجهات الصحية للتعامل مع الحالات الطارئة، الأمر الذي يهدد حياة الكثير من الحجاج ويقلل من روحانيتهم.

أما مشكلة توزيع التصاريح، فهي واحدة من الثغرات التي تفتح الباب واسعًا أمام الفساد والتلاعب، من خلال بيع التصاريح في السوق السوداء. وغياب آليات شفافة وعادلة في التوزيع يعمّق من شعور الظلم ويُضعف من مصداقية التنظيم، خصوصًا مع فرض عقوبات صارمة على من يؤدي الفريضة بدون تصريح، بدون وجود إشراف عادل أو فرصة للاستئناف.

وارتفاع تكاليف الحج بشكل متواصل يفرض عبئًا ماليًا ثقيلاً على الراغبين في أداء الفريضة، مما يجعلها حلمًا بعيد المنال إلا عن فئة الأغنياء. إذ تتجاوز تكاليف الإقامة والتنقل والخدمات القدرة المادية لشريحة واسعة، مع انحسار فرصة مشاركة جميع المسلمين في أداء الركن العظيم، مما يساهم في تحجيم روح التضامن والتكافل الإسلامي بين المسلمين.

تشير السياسات الحالية إلى هيمنة الطابع الأمني على إدارة الحج، بدلًا من التركيز على الجانب الإنساني والديني، وهو أمر يتنافى مع جوهر الشعيرة التي أساسها الرحمة والعدالة. خدمة ضيوف الرحمن يجب أن تتأسس على مبادئ الرحمة، العدالة، والإنسانية، لا على قيود واستبعاد.

في النهاية، يدعو الكثير من المراقبين إلى مراجعة شاملة لجميع السياسات والإجراءات التي تفرض على الحجاج، بحيث تعيد للفريضة روحها الإيمانية، وتحترم حقوق الحجاج وتُعلي من قدر إنسانيتهم. فالحج هو رحلة روحية، يجب أن تكون مليئة بالسكينة، الرحمة، والعدالة، لا قيودًا وإرهاقًا يُهددان جوهرها المقدس.

الخلاصة أن التوازن بين التنظيم والأمن من جهة، والرحمة والإنسانية من جهة أخرى، هو الطريق الوحيد لضمان أن تظل فريضة الحج تجربة روحية فريدة، تنعكس فيها معاني الإيمان والتقوى، بدلاً من أن تقتصر على إجراءات قسرية تُقيد روحها.

أضيف بتاريخ :2025/11/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

فيسبوك

تويتر

استبيان