آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي آل غراش
عن الكاتب :
كاتب وإعلامي

هدم #مسورة_العوامية كارثة تاريخية وإنسانية 2/2

 

علي آل غراش ..

سنبقى مع الحياة والمحافظة عليها وحمايتها، ومع الإعمار والتنمية والتطوير، وأرواح البشر هي الأغلى فنرفض الاعتداء عليها والعنف والاختطاف والقتل من أي جهة كانت، كما نرفض الاعتداء على الآثار والتراث بأي مبرر فلا ينبغي الانتقام من الحجر والبشر بحجة التطوير!.

 

هدم وتدمير لا تطوير
 هدم مسورة العوامية هو تكرار للأخطاء الفادحة السابقة التي قامت بها السلطة لأهداف أمنية خاصة ضيقة بتبريرات التطوير، مثل هدم قلعة القطيف، وهدم قصر العبيد في الهفوف وأهم المعالم والقلاع والدراويز (دروازة) في الأحساء، فخسرت المنطقة والوطن آثارا وتراثا عظيما يمتد عمره آلاف ومئات السنين، أي قبل الحكومة الحالية بمئات السنين. "واللي ما لا ماضي ليس له حاضر". هناك حلول كثيرة يمكن اللجوء إليها للتطوير بالمحافظة على الآثار والتراث وحمايتها والاعتناء بها، فهي جزء لا يتجزأ من الحضارة والتطوير، لا بهدمها والقضاء عليها فهذا يسمى اعتداء وتدمير وليس تطوير.

تاريخ يستحق التخليد مسورة العوامية تاريخ عميق لمن مضى لبشر ولحضارات مرت من هنا، تاريخ تفوح رائحته من كل حجر وساباط (دهاليز مسقوفة) وسكة وزاوية لتروي الذكريات والحكايات حول الصمود والبقاء ورفض الاستسلام والخضوع والفناء للأجيال المتعاقبة، ومايزال المئات من العوائل تعيش داخل حي المسورة العتيق حيث يشعرون بين جدرانه بالأمن والأمان في منازل يملكونها ولو كانت صغيرة وقديمة جدا تفتقر للتطوير والخدمات، وهم - أهالي المسورة - متمسكون بالبقاء لأسباب عديدة ومنها أنهم فقراء لا يجدون شيئا بديلا. أي لا يمكنهم الانتقال للسكن في أي حي آخر لعدم امتلاك القدرة المالية. ولنا أن نتساءل من لـ هؤلاء الفقراء والمساكين وإلى أين يذهبون، وأين دور الجهات الرسمية لمنع وقوع كارثة إنسانية؟. نعم لمبادرة بحماية الأرواح عبر الاهتمام بصيانة المنازل والمحافظة على القرية النموذجية التي تنبض بالحياة لغاية اليوم نتيجة تمسك أهلها بالسكن فيها، أو إيجاد سكن بديل أو تعويض مالي يكفي لشراء منزل.

 بل الغريب والعجيب أن السلطة هي من تريد هدم القرية والقضاء على الآثار والتراث الذي لا يمكن أن يعوض، فالدول المتحضرة المتقدمة تبذل أموالا طائلة للمحافظة على الآثار والتراث. والسلطة هي كذلك من تقوم بحرمان الفقراء والمساكين من مكان يحميهم يملكونه، ولا يمكنهم امتلاك مسكن بديل حسب المبلغ المحدد من قبل السلطة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وعدم تعويضهم بسكن جاهز في مدينة حضارية متطورة لأهل المنطقة فهم يستحقون بعد سنوات التهميش والحرمان للأهالي!؟.

 

 العوامية الأصالة والحياة

العوامية بلدة عريقة وقديمة عمرها آلاف السنين، - أي قبل تأسيس الدولة السعودية الحديثة بآلاف السنين - ، وأحياءها قديمة وتاريخية وأثرية كالمسودة والزارة، وهي ذات حضارة من أصالة المنطقة التي تسمى قديما بالبحرين الكبرى (البحرين التاريخية: الأحساء، والقطيف، وجزيرة البحرين). وتعود تسميتها بالعوامية إلى أحد ولاة المنطقة في القرن الثالث الهجري ونسبت إليه، وهو أبو البهلول العوام بن محمد بن بني عبدالقيس فهو أول من سكنها وعمرها بعدما تعرض زارة للتدمير من قبل القرامطة.

 

 العواميون عشاق العلم والمعرفة

عدد سكان العوامية أكثر من 30 ألف، ويتميز أهلها بالنسبة العالية من المتعلمين والمثقفين والمتميزين في المجال العلمي والأكاديمي من الجنسين في كافة التخصصات، وبالخصوص شريحة الأطباء المرموقين على مستوى الوطن، نتيجة حرص أبناء العوامية على حب العلم والمعرفة والتفوق.

أهل العوامية محبون للعلم والتفوق، ورواد للعمل الإجتماعي والتطوعي الشعبي، والتضامن وتقديم العون، وهم كذلك يتصفون بالأخلاق العالية، الطيبة والكرم والسماحة والعزة، ومساعدة المظلومين، ورفض الظلم والفساد، وما يخالف العادات والتقاليد الإجتماعية، فهي بلدة محافظة وسد منيع للاختراق، وبسبب ذلك كانت العوامية مستهدفة.

 

المسورة تستحق العناية والعطاء لا الفناء

المسورة التي صمدت مئات السنين أمام كل الظروف تستحق الرعاية والاهتمام وإعادة ترميمها وتأهيلها لتصبح قرية أثرية تراثية تاريخية نموذجية يقام في داخلها العديد من الفعليات والأنشطة وبالخصوص التراثية، وإنشاء سوق شعبي ومتحف لتاريخ المنطقة الغني للعديد من الحضارات لآلاف السنين، لا للهدم بمعول السلطة المدمر التي تحارب وتعتدي وتمسح كل آثار لحضارات الأمم السابقة التي سكنت هذه البلاد.

المواطنون والجمعيات الأهلية الداخلية والخارجية المهتمة بالتراث والآثار الإنساني عليها أن تتحرك لإنقاذ قرية أثرية مازالت صامدة تجسد تاريخا مهما ونموذجا طبيعيا لبلدات وحياة أهل ساحل الخليج القديمة الأصيلة، كما أنها مازالت سكنا يحمي الآلاف من البشر الفقراء والمساكين (لا يملكون القدرة على امتلاك مسكن) سيصبحون بلا مأوى في ظل عدم تعويضهم من قبل السلطة بما يمكنهم من شراء منازل لهم.

أضيف بتاريخ :2017/01/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد