آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مرام مكاوي
عن الكاتب :
حصلت على الدكتوراه في علوم الحاسبات من جامعة نوتنجهام في بريطانيا في تخصص هندسة الويب وتطبيقاته في مجال التعليم الإلكتروني المتكيف عبر الإنترنت. حصلت على الماجستير في علوم الحاسبات وتخصص الأنظمة الموزعة والشبكات من جامعة هيرتفوردشاير، وتخرجت من قسم علوم الحاسبات بكلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة في المملكة العربية السعودية. مستشارة غير متفرغة في مجال التعليم الإلكتروني وتقنيات التعليم مع شركة غلفس التعليمية (Gilfus Education Group) ومقرها واشنطن العاصمة الأمريكية. عملت سابقاً كمحللة نظم في قسم تقنية المعلومات بشركة شل النفطية في المملكة المتحدة ومقرها لندن. كاتبة في عدد من الصحف والمجلات السعودية والعربية.

وما زلتُ عاجزة


مرام مكاوي  

بدأتُ الكتابة في الوطن، وأنا يومها طالبة جامعية، وكتبتُ آنذاك عن التحديات التي تواجهنا أحياناً مقارنة بزملائنا في قسم البنين في نفس الجامعة الحكومية، فالمحاذير لديهم أقل، والممنوعات أخف، ومسألة الحضور والانصراف أبسط، والإجراءات لإنهاء المعاملات أسرع وأسهل. وتخرجت، وسافرت للدراسة، وعملت في بضعة أماكن، ثم عدت إلى جامعة حكومية، هذه المرة كأكاديمية، فهل تغير الكثير خلال عقد ونصف العقد؟

لا شك أن وضعي كعضو هيئة تدريس أفضل من وضعي كطالبة، ولكن في الوقت نفسه لا زلت من فترة لأخرى أجد نفسي عاجزة عن تصريف بعض الأمور، أو تصريفها بالسرعة المطلوبة، لأنني أقع خلف سور برلين (شطر الطالبات) بينما الإدارة موجودة على الضفة الأخرى في شطر البنين. فبالرغم من الترهل الإداري في كل جامعاتنا الحكومية التي تدرس الجنسين، والحاجة إلى فرعين لكل قسم (رجالي ونسائي)، إلا أن القرار النهائي موجود غالباً في قسم واحد، فالقسم الرجالي «تشريعي» بينما النسائي «تنفيذي». وقد تجد أن سكرتيراً أو إدارياً في قسم البنين له علاقات وصلاحيات (حتى إن كانت غير مكتوبة) أكثر من وكيلة قديرة في شطر الطالبات. وهذه حالة عامة وشكوى مكررة عبر كل جامعاتنا الوطنية وليست خاصة بجامعة بعينها أو إدارة بذاتها.

أذكر أنه واجهتني وأنا طالبة مشكلة في إضافة مواد في جدولي الدراسي، وظللت لعدة أسابيع أحاول حلها بنفسي عبر موظفة القبول والتسجيل بلا جدوى، فعدتُ مستسلمة لوالدي الذي استطاع مشكوراً حلها لي في يوم واحد في شطر البنين آنذاك. واحتجت وأنا موظفة إلى استلام قرار إداري مهم، فقالت لي أكثر من موظفة: «أحسن خلي محرمك يراجعهم في الإدارة العامة في قسم البنين ويجيبه لكِ بسرعة». المشكلة، بالإضافة إلى كونه أمراً مزعجاً، بأن محرمي الأول كان غير متواجد في مدينتي وقتها، ومحرمي الثاني مسافر، ومحرمي الثالث لديه دوام عمل في جهة أخرى، وما بقي معي إلا محرمي الرابع الذي فطمته من الحليب قبل عام، وأشك في قدرته على القيام بالمهمة! وهكذا لم يكن هناك خيار إلا أن يستأذن محرمي الثالث من عمله ويحضر لي مشكوراً ما احتاجه، لأكتشف بعدها بأن لدي استفسارات كما أحتاج إلى طلبات أخرى، وعليه ضرورة القيام بمراجعة ثانية.

وأذكر أنني احتجت مرة لتوقيع عقد في المقر الرئيسي لإحدى العمادات التي ليس لديها فرع في شطر الطالبات، ووصلتني رسالة نصية تطلب مني القيام بذلك، ولما كنت جديدة وقتها، ظننت أن الرسالة تعني أن العمادة مفتوحة للجميع من الجنسين، فذهبت إلى هناك ودخلت المبنى، ووجدت أمامي وجوهاً مستغربة وأخرى مرعوبة! حاولوا إقناعي بالجلوس في السيارة وسيرسلون لي العقد مع السائق (محرمي المؤقت!)، فأخبرتهم بأنني سأنتظر العميد، فأحضروا الورق لينتهوا منه (ومني!) سريعاً.
منذ أن عدت للاستقرار في المملكة منذ أكثر من أربع سنوات، وأنا لا أستطيع مقاومة الشعور العارم بالعجز، وبكوني لازلت معتالة على غيري، فأحتاج من يوصلني إلى عملي رغم أنني أحمل رخصة قيادة، وإلى من يتحدث نيابة عني في مقر عملي رغم سلامة حواسي، ورغم أنني في أعلى الهرم الوظيفي. ومما يزيد الأمر إزعاجاً أنني عملت في وظيفتين قبل العمل الحكومي، في لندن وجدة، وكنت أتواصل بشكل مباشر مع رؤسائي دون حواجز ولا من خلف أسوار.

الكثير من النساء لدينا، بسبب التربية والقناعات الدينية وطبيعة المجتمع، يفضلن أن يعملن في بيئات غير مختلطة، لكن الكثيرات منهن سيعدن النظر في ذلك إذا اكتشفن بأن هذا الفصل قد أدى إلى العزل الذي يعيق مسيرتهن المهنية. فالقضية أكبر من قضية تصريف أوراق مرة أو مرتين في السنة، فإن الفرص للمناصب والتدريب والترقية والتعاون والاستشارات وغيرها كلها تقل بنسبة كبيرة للمرأة بالمقارنة بالرجل في أي قطاع مفصول بشكل كامل أو شبه كامل، ومن ذلك القطاع الأكاديمي. والسبب قد لا يكون تحيزاً مقصوداً ضد المرأة، ولكنها لا تتمتع بالظهور الكافي (visibility) لدى صانع القرار، الذي هو غالباً رجل ولا يعرف عنها شيئاً. فأي موظف أو أكاديمي يستطيع مقابلة مدير الجامعة أو وكيلها أو أحد العمداء في مكتبه أو في حفل «معايدة» سنوي، بينما قد تتقاعد الموظفة أو الأكاديمية دون أن تتاح لها تلك الفرصة.

وقبل أن يقول البعض: احذروا إنها تطالب بالاختلاط في التعليم العالي! سأقول بأنه أولاً، هناك عمل مرن بلا حواجز في بعض مؤسسات التعليم العالي كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، وثمة اختلاط لأعضاء هيئة التدريس في جل الجامعات الأهلية. ثانياً، لا توجد حاجة للاختلاط الكامل أو بين الطلبة والطالبات، ما دامت الحلول الأخرى متوفرة، والتي من ضمنها جعل الخدمات التي يحتاجها الجميع مفتوحة للجميع مثل: الإدارة العامة، عمادة البحث العلمي، وعمادة الدراسات العليا وغيرها. والأهم إعطاء صلاحيات كاملة للأقسام النسائية، ليس في الجامعات فقط بل حتى في الدوائر الحكومية والبنوك حيث نواجه نفس المشكلات. فقد أردتُ تجديد جواز سفري مؤخراً، وسجلت في أبشر، لاكتشف بأنني أستطيع رؤية بياناتي بالفعل، لكن من يحق له تجديد جوازي هو زوجي، كما أنه هو من توجه بعدها لمقر الجوازات لاستلامه، واضطر للاستئذان بينما أنا متفرغة لأنني في إجازة.

كلما واجهتني عقبة وأنا أحاول تصريف شؤون حياتي المختلفة، أحاول أن أجد سبباً منطقياً، دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً، يبرر هذا التعقيد الذي أعانيه مثل غيري من نساء الوطن الراشدات، فلا أجد جواباً مقنعاً سوى أني امرأة وهذا قدري هنا. فأرفع بصري للسماء قائلة: «اللهم إني أعوذ بك من العجز»!

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/08/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد