آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي آل غراش
عن الكاتب :
كاتب وإعلامي

خطورة التغيير القسري والديمغرافي على المنطقة

 

علي آل غراش ..

إن ما حدث في العوامية من بطش وقتل وتهجير ضد عشرات الآلاف من المواطنين، والاحتفال والاستعراض من قبل القوات العسكرية الرسمية بتدمير المدينة التاريخية والتراثية وبالخصوص المسورة وإهانة معتقد أهالي المنطقة بالدخول إلى دورة العبادة بطريقة مهينة والتلفظ بعبرات طائفية مستفزة وجارحة وتمزيق الشعارات الدينية والإساءة للرموز بالإضافة إلى ما سيحدث من تداعيات، يخالف كافة القوانين الشرعية والوضعية بل هو فساد وقتل وتدمير، ويخالف كذلك طبيعة الدولة الحضارية ودور السلطة الحكومية التنفيذية، بأن الوطن للجميع في ظل مواطنة حقيقية بلا تفرقة ولا تمييز، والكل ينعم فيها بالعدالة والحرية والتعددية، وأن السلطة مجرد جهة إدارية منفذة. ولكن أين الوطن والمواطنة الحقيقية القائمة على حق المشاركة؟.

هل حقا هناك مشروع لدى السلطة للتغيير الديمغرافي في المنطقة بشكل أوسع وبالخصوص في القطيف والأحساء وذلك بالقوة العسكرية لفرض واقع جديد يتوافق مع سياسة العائلة الحاكمة بعد نجاحها في حاضرة الدمام (الدمام الخبر والظهران) وفي مناطق ومن أخرى من البلاد؟.

 

التغيير القسري

منذ تأسيس الدولة وإعلان اسمها باسم العائلة الحاكمة السعودية في عام 1932، والسلطة تعمل على فرض واقع بلون واحد مذهبي وثقافي وتراثي على الجميع باسم العائلة الحاكمة، وتقوم بتسمية أي مرحلة تاريخية أو آثار أو تراث لحضارات سابقة ومنها قبل الإسلام باسمها (سعودي)، وذلك على حساب التعددية الثقافية والدينية والمذهبية والسياسية والفلكورية والتراثية والحضارات، وقد مارست السلطة أساليب متنوعة لفرض ذلك التغيير والدمج القسري بالترهيب والقمع، وبالترغيب والتشجيع على الهجرة والانتقال من مناطق يتم تهميشها وإضعافها إلى مناطق يتم الاهتمام بها وإعطائها قيمة .. بسبب سياسي، والعمل على التغيير الديمغرافي لمناطق إستراتجية لجعل أهالي المنطقة الأصليين فيها أقلية، وعبر ذلك تستطيع فرض ما تريد.

 

سياسة التفرقة والتذويب

تحاول العائلة الحاكمة تجديد ممارسة تلك السياسة الدمج القسري وسياسة فرق تسد بين المواطنين وتذويب الجميع في كيانها كعائلة على أساس أنها صمام الأمان للجميع، وبالتحديد عندما يتعرض نظامها للنقد وتخرج مظاهرات للمطالبة بالإصلاح والتغيير، ولتحقق هدفها فهي تسعى لفرض التغيير الديمغرافي في كافة المناطق وبالخصوص المهمة مثل الشرقية والغربية جدة ومكة والمدينة وغيرها. وهي قد نجحت في فرض التغيير في الغربية والوسطى وبالخصوص مدينة الرياض وجدة وحاضرة الدمام حيث أصبحت الأحياء فيها خليطا من جميع مناطق المملكة، يسهل على السلطة فرض ما تريد من ثقافة بسهولة فهي تملك كامل الصلاحيات، وهي القدرة الفائقة على السيطرة على الأحياء والناس بزراعة العيون بكثرة.

 

الهدم والتدمير لفرض التغيير

بينما فشلت سلطة الرياض في أحداث تغيير ديمغرافي واختراق لأهل المنطقة الأصليين في المنطقة الشرقية وبالخصوص في الأحساء والقطيف، الذين مازالوا لغاية اليوم يحافظون على تقاليدهم وعاداتهم وخصوصيتهم الثقافية والدينية في أحيائهم الحديثة كما في القديمة رغم الضغوط والمنع والسجن بسبب حرية التعبير أو ممارسة حق التعبد، وقد استخدمت السلطة أساليب عديدة للتغيير والتأثير والاختراق، منها ما حدث بعد انتفاضة 1400 ( 1979 ) حيث قامت السلطة بمشروع إزالة للمناطق القديمة التاريخية التي لم تستطع القوات الحكومية من الدخول إليها أثناء الانتفاضة، وقد تم تحويل تلك الأحياء التي لها قيمة تراثية وبالخصوص في الهفوف والمبرز والقطيف وسيهات وبعض المدن الأخرى إلى مجرد شوارع وساحات دون خدمات لعقود من الزمن.

 

فشل لمشروع السلطة

إزالة الأحياء أدى لانتقال الأهالي بشكل جماعي إلى أحياء جديدة ذات منازل حديثة مع المحافظة على الخصوصية الثقافية والدينية بلون واحد – وللأسف الشديد كانت على حساب التعايش والتعددية السابقة الموجودة في الأحياء القديمة كالكوت والفوارس والنعاثل والسياسب وغيرها – وفي هذه الأحياء تم بناء دور العبادة بمسمى منازل نتيجة عدم إعطاء تصاريح رسمية من الحكومة لذلك، هذا التطور .. شكل صدمة للدولة وفشلا لمشروعها تذويب الشعب في فكرها وثقافتها، حيث كانت تحرص من خلال هذه العملية لإحداث تغيير بالانتقال إلى الأحياء الجديدة المختلطة أو الانتقال للعيش في المدن الكبرى وبالذات في المدن الحديثة كالدمام والخبر والظهران.

 

الحقوق والمحافظة على الخصوصية

من أهم أسباب رفض أهالي الأحساء والقطيف الانتقال للمدن الجديدة حاضرة الدمام يعود لسياسة الحكومة بفرض فكرها وثقافتها النجدية على تلك المدن، ومحاربتها لعقيدة المكون الوطني في مؤسسات الدولة كالمناهج التعليمية، ورفضها لوجود أي خصوصية ثقافية ودينية ل للأهالي أو السماح بفتح دور عبادة رسمية لهم فيها أي في المدن والأحياء الجديدة (لان ذلك يخالف هدفها الاستراتيجي من كل هذه الخطة وهو التذويب وإبعاد أهل المنطقة عن الخصوصية). ومن الأسباب الأخرى لعدم انتقال للمدن الحديثة يعود بأنهم أصل المنطقة والعمق التاريخي والحضاري، وخروجهم يعني موت ونهاية مناطقهم التي لازالت عامرة لآلاف السنين لغاية اليوم ولكي لا يحل بهم ما حل على مناطق كثيرة في الجنوب وغيرها، حيث الكثير من البلدات والقرى ماتت، بالإضافة كما قلنا لمنعهم من ممارسة حريتهم الثقافية والدينية وهذا الأمر يعني الكثير لأهل المنطقة التي تشعر أنها مستهدفة.

 

التقوقع والحرمان والعقاب

ونتيجة سياسة السلطة لجأ أهالي المنطقة وبالخصوص في القطيف للتقوقع، وتمسكهم بالسكن في مدنهم وأحياء خاصة دون تنوع قامت السلطة بمعاقبة المواطنين بالإهمال في التنمية والتهميش بالخدمات والتوظيف مقابل الاهتمام والتطور والعناية للأحياء الجديدة في حاضرة الدمام الحديثة - الدمام والخبر والظهران- التي فيها تنمية عالية وتوظيف، وقد نجحت السلطة في جذب مئات الآلاف بل الملايين من خارج المنطقة لهذه المدن مما ساهم في تغيير ديمغرافي في المنطقة الشرقية بشكل عام وسريع جدا وربما يكون الأسرع في العالم، حيث إن أغلب موظفي الدولة من خارج المنطقة وبالخصوص القطاعات العسكرية، ولكن كل من الأحساء والقطيف ظلت محافظة على خصوصيتها، لان أهل المنطقة وبعد اندلاع المظاهرات والاحتجاجات 2011 وانتشار أخبارها وأسبابها كالإهمال والتهميش للخدمات والتنمية في هذه المناطق قد أكدت التقرير بأنها بحاجة إلى طوارئ، فقامت السلطة في عهد العاهل السابق الملك عبدالله بحملة لإعادة النظر في الواقع الذي أصبح عارا على السلطة التي تمتلك ثروة طائلة، وخصصت مبالغ لامتصاص الغضب الشعبي والإعلان عن حزمة مشاريع تنموية.

 

سياسة التغيير الديمغرافي

مع استمرار الحراك والمظاهرات المطالبة بالإصلاح والتغيير منذ عام 2011 في المنطقة وبالخصوص العوامية وتجدد الاحتجاجات وتطورها، فتحت السلطة مع وصول العاهل الجديد الملك سلمان مشروع تغيير الواقع في القطيف والأحساء وضرورة التغيير الديمغرافي نتيجة فشل السابقة في السيطرة على المظاهرات واختراق الجماهير لأنها وقعت في مناطق ذات لون وثقافة واحدة.

الخوف أن الحكومة ستقوم من خلال مشروع إزالة المباني في الأحياء القديمة وغيرها بتغيير ديمغرافي بتحويله لسكن جديد لسكان جدد لفرض واقع جديد وليس كما حدث سابقا بتحويلها إلى ساحات مفتوحة وإهمال وتهميش وحرمان من التنمية والحقوق فقط.

إن الدمج القسري وفرض فكر أحادي على الجميع والتغيير الديمغرافي هو قتل للجميع كما يحدث الآن، بل وجود التنوع واحترام التعددية الفكرية والثقافية والعقائدية والمحافظة على الآثار والتراث والتقاليد والعادات وفلكور كل منطقة يمثل قوة للبلاد ومصدر فخر وارتياح لكل منطقة ويكرس حالة التعايش السلمي.

هل يحق لسلطة حاكمة دورها إدارة البلاد وشؤون العباد (...) أن تفرض تغيير ديمغرافي على منطقة محددة لها أهلها وخصوصيتها الثقافية والتراثية، وعبر سرقة الأراضي ومنحها أو بيعها على المنتقلين إليها على حساب أهل المنطقة الأصليين الذين لا يجدون مترا للسكن، وتوظيف القادم للمنطقة على حساب أهل المنطقة الذين يبحثون عن وظيفة؟.

أضيف بتاريخ :2017/08/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد