آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

أبعاد اعتراف مايك بومبيو بالهزيمة الاستراتيجيّة الأميركيّة في سورية!

 

محمد صادق الحسينيّ

لم يكد يمرّ إلا القليل من الوقت، على توقيع البروتوكول، الروسي التركي الملحق باتفاق سوتشي، حتى سارع وزير الخارجيه الأميركي للاعتراف بهزيمة مؤامرته، هو وبقية جوقة المحافظين الإنجيليين الجدد التي تحتلّ البيت الأبيض وربيبهم نتن ياهو الى جانبهم، وذلك عندما صرّح صباح يوم  الخميس 5/3/2020، للصحافيين “بأنّ طلب انسحاب القوات السورية الى خطوط وقف إطلاق النار لسنة 2018 كان طلباً أميركياً”.
وهذا يعني أنّ مطالبة أردوغان الجيش السوريّ بالانسحاب الى ما بعد نقاط المراقبة التركية، في ريفي حلب وإدلب، كان طلباً أميركياً “إسرائيلياً” بلسان تركي أردوغاني.
ولكن فشل هجوم أردوغان، البري والجوي، الواسع النطاق، والذي شاركت فيه فرقة كاملةً، من القوات الخاصة التركية، تساندها ثلاث كتائب مدفعية ميدان ذاتية الحركة، من عيار 155 ملم، إضافة الى كتيبة دفاع جوي تركية، مزوّدة بصواريخ أرض جو محمولة، تمّ نشرها في محيط القواعد العسكرية التركية في محافظتي إدلب وحلب، إلى جانب ثلاثة آلاف دبابة ومدرعة قتالية، كانت تنتشر في نقاط عدة من محافظتي حلب إدلب، وفي وضع انفتاح قتاليّ (الانفتاح القتالي يعني في العسكرية وجود القوات خارج قواعدها أو ثكناتها وفي نقاط الانطلاق لتنفيذ الهجوم على مواقع العدو)، استعداداً لتنفيذ المؤامرة التي تمّ الاتفاق عليها بين أردوغان ونتن ياهو (والدليل على مشاركة نتن ياهو بشكل مباشر في إعداد المؤامرة والتخطيط لتنفيذها هي تصريحاته يوم الانتخابات الإسرائيلية بأنّ نجاحه سيؤدّي الى خروج إيران من سورية). وبومبيو، نقول إنه وبعد فشل الهجوم وصمود القوات المشتركة في مواقعها ونجاحها في الحفاظ على كلّ مكتسباتها، رغم هذا الحشد الهائل قد قلب السحر على الساحر وجعل أردوغان يذهب صاغراً إلى موسكو بحثاً عن طوق نجاة.
ولا بدّ، عند الحديث عن فشل الهجوم التركي، أن يُصار إلى تسليط ما يكفي من الضوء على عملية الانسحاب التكتيكي للقوات المشتركة من سراقب والعملية العسكرية الليلية الخاطفة لاستعادتها، والتي نفذها لواء الرضوان للقوات الخاصه التابعة لحزب الله. إذ إنّ هذه العملية، التي كان من بين أهدافها، علاوة على استعادة المدينة، تنفيذ عملية هجومية واسعة النطاق والسيطرة على رقعة الهجوم والتثبّت وبناء خطوط دفاعية ليلاً والدخول في عملية الدفاع عنها صباحاً، وبدون غطاء جويّ. أيّ بالاعتماد على كفاءة القوات المقاتلة وعلى الصواريخ المضادة للدروع والصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، التي ستكون مهمتها ضرب نقاط تحشّد العدو ورؤوس جسوره قبل أن يبدأ هجومه المضاد.
لذا فإنّ معركة استعادة سراقب توازي، في قيمتها الاستراتيجية، معركة بنت جبيل او مجزرة الميركافا في وادي الحجير، خلال الحرب “الإسرائيلية” على لبنان عام 2006، ذلك لأنها أسفرت عن تثبيت انتصارات القوات المشتركة ورسمت خريطة الهزيمة الأميركية الإسرائيلية التركية في محافظات حلب وإدلب. وهي بالتالي شكلت الأساس الذي بُنيَ عليه الاتفاق الذي عُقد بين الرئيس بوتين وأردوغان، في موسكو، والذي قيّمه خبراء عسكريون أميركيون، لا زالوا في الخدمة، أيّ من جنرالات البنتاغون الحاليين، على النحو التالي:
1 ـ إنّ الاتفاق قد كرَّس الانتصارات العسكرية، التي حققتها القوات المشتركة بعد 2018، أيّ بعد سوتشي.
2 ـ إنّ توقيع اتفاق موسكو، بين الرئيس بوتين وأردوغان، قد أنهى محاولات بومبيو لإقامة حلف تركيّ أميركيّ لإسقاط الرئيس بشار الأسد، خاصة منذ إعلان مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، لهذا الهدف في شهر أيلول 2018، وتزايد الضغوط العسكرية والديبلوماسية، التي تمارس بضغط من الخارجية الأميركية، والتي كانت تهدف الى إسقاط الرئيس السوري وإخراج القوات الإيرانية من سورية. وهذا دليل جديد على التنسيق الوثيق بين الإدارة الأميركية ونتن ياهو في ما يتعلّق بتواجد المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية.
إذن… فإنّ القوات المشتركة، وعبر سلسلة انتصاراتها التي توّجتها بعملية استعادة السيطرة على مدينة سراقب، قد وضعت حداً، أولاً وقبل كلّ شيء، لأحلام أردوغان العثمانية، وأوهام بومبيو وممثله للأزمة السورية، جيمس جيفري، وممثلة واشنطن في الأمم المتحدة كيللي كرافت، الذين كان قد حملهم وزير دفاع أردوغان الى إدلب للاحتفال معه “بالنصر”، عندما ينجح هجوم الجيش التركي، في السيطرة على كامل محافظة إدلب وريفي حلب الغربي والجنوبي الغربي، مما يعني السيطرة على الطرق الاستراتيجيّة، المسماة M 5  و M4، وبالتالي حسم معركة الشمال السوري بأكمله، من كسب غرباً حتى القامشلي شرقاً لصالح الحلف الصهيوأميركي التركي “الإسرائيلي”.

وهو الأمر الذي حصل عكسه تماماً، إذ كرّس الاتفاق ليس فقط السيطرة الحكومية على كلّ المناطق التي حرّرتها القوات المشتركة، منذ عام 2018 وحتى الآن، بل وكذلك كلّ ما يسيطر عليه أتباع أردوغان من المسلحين الإرهابيين، جنوب الطريق السريع حلب – اللاذقية. وذلك لأنّ إقامة المنطقة الآمنة، شمال وجنوب هذا الطريق، بعمق ستة كيلومترات من كلّ جهة، يعني فعلياً سقوط كلّ مواقع المسلحين الإرهابيين الواقعة جنوب هذا الخط بسبب قطع خطوط إمدادهم من تركيا.
ومن بين الأحلام المريضة، التي أسقطتها موازين قوى الميدان السوري العسكرية الجديدة، أحلام ممثلة واشنطن في الأمم المتحدة والمطلّقة من زوجين سابقاً والمتزوّجة من الملياردير جو كرافت عام 2016، والذي يعتبر ثالث أكبر منتج للفحم الحجري في الولايات المتحدة، ويملك ثروة تبلغ أربعة مليارات دولار، يستثمرها في شركات عدة في قطاع الطاقة. ايّ انها كانت تصبو الى الاحتفال بسيطرة أردوغان على محافظة إدلب لفتح المجال أمام زوجها الثالث للسيطرة على قطاع الطاقة في إدلب وغيرها.
كذلك الأمر تبخرت أحلام جيمس جفري، المعروف بارتباطاته بالمجمع الصناعي العسكري، والذي كان يحلم بنجاح هجوم الجيش التركي في أرياف حلب وإدلب ما يمهّد الطريق الى تزويد تركيا ببطاريات صواريخ باتريوت. وهو المعروف، في دوائر الإدارة الأميركية، بمطالباته المستمرة بتزويد تركيا بهذه المنظومات، الأمر الذي أحبطه جنرالات البنتاغون بشكل مستمرّ، وخاصة بعد أن طلب أردوغان من الإدارة الأميركية إرسال بطاريات باتريوت لـ “الدفاع عن تركيا”، منتصف الشهر الماضي وفي ذروة استعداداته لتنفيذ مؤامرته مع نتن ياهو وبومبيو في الشمال السوري.
وبكلام أوضح فإنّ جنرالات البنتاغون، الذين يعتبرون “حليفهم” الكردي أكثر كفاءة وأقلّ تكلفة من ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، ايّ الجيش التركي، نقول إنّ هؤلاء الجنرالات قد دفنوا أحلام جيمس جيفري، في إطلاق حملة تسويق جديدة لمنظومات الباتريوت. فهم، ايّ الجنرالات، أعلم من غيرهم بعدم فعاليتها، تلك الفعالية التي تهمّهم أكثر من مسألة تسويقها.
وفي ضوء كلّ المعطيات المذكورة أعلاه يتبيّن انّ فرقة الرضوان، وغيرها من التشكيلات العسكرية لحلف المقاومة، ومن ضمنها آلاف المقاتلين اليمنيين، الذين أعربوا عن رغبتهم بالالتحاق بالمقاومة، على الجبهة الشمالية، قد أصبحت جاهزة لتنفيذ المرحلة الأخيرة من الهجوم الاستراتيجي، الذي سينتهي بتحرير القدس وفلسطين كاملة وإنهاء وجود الكيان المحتلّ بشكل كامل. فكلّ ما هو مطلوب لذلك أصبح جاهزاً، من انتشار للقوات الى اكتمال التدريب على تنفيذ الهجوم وانتهاء برفع العلم الفلسطيني على أسوار القدس.
هذا التحرير الذي سيطلق عودة الشعب الفلسطيني، كاملاً الى كامل فلسطين، وهو الأمر الذي يجري وضع اللمسات الأخيرة، على خطط تنفيذه من قبل مجموع محور المقاومة. ايّ انّ محور المقاومة قد انتقل من مرحلة التخطيط لتحرير فلسطين إلى مرحلة ما بعد التحرير والعودة.
أتى أمر الله، فلا تستعجلوه.
بعدنا طيبين، قولوا الله…

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2020/03/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد