آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

أميركا تخسر حرب الكورونا وفي طريقها للخروج من المحيط الهادئ…


محمد صادق الحسيني
لم يكن إعلان “سفارة الأمر الواقع” الأميركية في تايوان، يوم الجمعة 10/4/2020، حول تعاون الولايات المتحدة مع هذه الجزيرة لسنوات مقبلة (أمراً واقعاً لكونها غير شرعية بموجب اتفاق 1979 بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة، والذي أكد وحدة الصين الواحدة ومن ضمن أراضيها السيادية هذه الجزيرة، التي انشقت عن الصين الأمّ عام 1949)، نقول إنّ هذا الإعلان لم يكن هو الاستفزاز الأميركي الأول تجاه جمهورية الصين الشعبية.
كما لم يكن مرور المدمّرة الأميركية USS Barry DDG 52، يوم السبت 12/4/2020، في مضيق تايوان هو الاستفزاز العسكري الأميركي الأول ضدّ بكين. اذ انّ الاستفزازات الأميركية قد بدأت عندما شرعت الولايات المتحدة في تقديم الدعم العسكري الواسع لعميلها، الجنرال الصيني المنشق جيانغ كاي شيك (Chiang – Kai – Shek)، الذي هرب من البر الصيني إثر هزيمته وقوات الكومينتانغ عام 1949 إثر انتصار قوات الثورة الصينية، بزعامة ماوتسي تونغ وحرّرت كامل البر الصيني.
نقول إنّ استفزازات الولايات المتحدة لجمهورية الصين الشعبية قبل ذلك الإعلان بزمن طويل، حيث قام الرئيس الأميركي، هاري ترومان، بنشر الأسطول السابع الأميركي في محيط هذه الجزيرة ومضيق تايوان، قبالة الشواطئ الصينية، وذلك لمنع قوات الثورة من السيطرة على الجزيرة وتحريرها. وقد اتبعت واشنطن انتشار قواتها العسكرية في تلك المنطقة بتوقيع اتفاقية، بينها وبين جيانغ كاي شيك، سنة 1955 أطلقت عليها اسم: اتفاقية الدفاع المشترك والتي وقعت في واشنطن بتاريخ 3/3/1955.
وقد استمرّت واشنطن في ممارسة سياستها العدوانية، ضدّ بكين، طوال السنوات التي تبعت توقيع الاتفاقية، المشار اليها أعلاه، وحتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، عندما اتفقت واشنطن وبكين، على وضع أسس ثابتة لعلاقات بين الدولتين، تكللت بتوقيع اتفاقية الاعتراف الديبلوماسي المتبادل بين البلدين بتاريخ 1/1/1979، تلك الاتفاقية التي أعادت التوازن، ولو جزئياً لميزان القوى السياسي، في تلك المنطقة من العالم، خاصة أنها اعتبرت جزيرة تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصين الشعبية، الأمر الذي أدّى إلى أن تشغل بكين مقعد الصين الدائم في مجلس الأمن الدولي بدلاً من الجزيرة المنشقة.
وهو الأمر الذي شكل قاعدة العلاقات الأميركية الصينية، وتطوّرها، حتى تسلّم ترامب للسلطة في واشنطن، عام 2017، وبدئه اتباع سياسات استفزازية، تصعيدية وعدائية ضدّ جمهورية الصين الشعبية. ومن بين أهمّ تلك الإجراءات العدائية هي التالية:
موافقة ترامب، منذ عام 2017 وحتى الآن، على تزويد جزيرة تايوان الصينية المنشقة بأسلحة متطورة قيمتها 4,12 مليارات دولار ( مساحة الجزيرة / 35000 كم مربع / أيّ أكثر بقليل من مساحة فلسطين).
توقيع الرئيس الأميركي ترامب قانون زيارات تايوان، بتاريخ 23/2/2018، والذي يسمح لكبار المسؤولين السياسيين الأميركيين، بزيارة الجزيرة المنشقة وعقد لقاءات سياسية مع مسؤوليها، وكذلك زيارة سياسيين تايوانيين منشقين للولايات المتحدة وعقد لقاءات مع نظرائهم الأميركيين، وذلك لأول مرة منذ الاعتراف المتبادل بين الصين الشعبية وواشنطن سنة 1979. وهو الأمر الذي أثار سخطاً شديداً لدى الأوساط الرسمية والشعبية الصينية لأنه اعتبر انسحاباً ضمنياً من اعتراف واشنطن بسيادة بكين على جزيرة تايوان.
توقيع الرئيس الأميركي على قانون النفقات الدفاعية الأميركي، بتاريخ 20/12/2019، والذي يتضمّن بنوداً تدعو لتقوية العلاقات (ومنها العسكرية طبعاً) مع تايوان وإبطاء رفع العقوبات عن شركة الاتصالات الصينية العملاقة، هواوي. اضافة الى وجود نصوص أخرى، تتعلق بهونغ كونغ ومنطقة شينغ جيانغ Xinjiang الصينية. الأمر الذي اعتبره ناطق باسم الخارجية الصينية، السيد يو فينتز إي You Wenze، ووكالة الأنباء الصينية، تدخلاً سافراً في شؤون الصين الداخلية.
وهنا تجب الإشارة الى إعلان، سفارة الأمر الواقع الأميركية في تايوان، بخصوص التعاون المستقبلي بين واشنطن وتايبِه، بما في ذلك التعاون العسكري، وهو ما يُعتبر إعلاناً أميركياً رسمياً عن بدء تطبيق قانون النفقات الدفاعية، الذي وقعه ترامب والمشار إليه أعلاه، ما يشكل خرقاً صارخاً لكلّ القوانين الدولية ولا يمكن مقارنته إلا بقيام الصين الشعبية، او ايّ دولة أخرى في العالم، بتقديم الدعم لولاية أميركية منشقة عن الحكومة الفدرالية في واشنطن.
طلب البنتاغون رسمياً، من خلال رسالة موجهة للكونغرس الأميركي، الأسبوع الماضي، تمويلاً إضافياً بقيمة عشرين مليار دولار، بحجة مواجهة التوسع العسكري الصيني وإقامة شبكات دفاع صاروخي ودفاع جوي وأنظمة رادار وحرب إلكترونية وتقوية الدفاعات الأميركية، البحرية والجوية، في قواعد جزيرة غوام ومنشآت أميركية أخرى في المحيط الهادئ، لوقف هذا التوسّع الصيني المزعوم.

علماً أنّ من قدم الطلب هو قيادة المحيط الهندي/ الهادئ في البنتاغون (Indo – Pacific Command).
وقد بررت هذه القياده طلبها، المذكور أعلاه، بالقول إنّه دون وجود ردع موثوق به، في وجه روسيا والصين، فانهما ستعملان على تقويض نفوذ ومصالح الولايات المتحدة في تلك المنطقة والحلول مكانها. علماً انّ الجيش الأميركي قد اطلق على هذه العملية، في رسالة طلب التمويل، اسم: استعادة التفوق (Regain Advantege). علما أنّ التمويل سيبدأ اعتباراً من السنة المالية 2021.
وبما انّ وزير الحرب الأميركي السابق، جيمس ماتيس، قد أعلن منطقة جزيرة غوام وغرب المحيط الهندي منطقة عمليات ذات الاولوية، واعتبار العسكريين الأميركيين الحاليين جزيرة غوانتينامو خط الدفاع الأول عن الولايات المتحدة فهم يخططون الآن لإقامة “خط دفاع ثانٍ” يتجه غرباً، وصولاً الى ما يطلق عليه البنتاغون: سلسلة الجزر الاولى، اي سلسلة الجزر الصينية، في بحار الصين الجنوبية والشرقية. غيرها. وهو ما يعني تضييق الخناق على الصين ودمج جزيرة تايوان في خط الدفاع الثاني، الذي يعملون على إقامته، من خلال التمويلات الجديدة وغيرها.
وعليه فلا بد من تذكير عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية أوكلاهوما، جيمس إنهوف ( James Inhofe )، وهو رئيس لجنة القوات المسلحة في المجلس انّ ما يحمي اميركا ومصالحها، في مسرح العمليات ذي الاولوية (Priority Theatre)، ليس تمويل المزيد من مشاريع التسلح والتوسع ومحاصرة الصين، التي لا يمكنكم ان تحاصروها، بل ان ما يحمي الولايات المتحدة ومصالحها هو استثمار هذه المليارات في مشاريع إنتاجية ومشاريع لتحديث البنى التحتية، ومن بينها ثلاثة آلاف جسر مهدّدة بالانهيار بسبب انعدام الصيانة.
هذه هي الاستثمارات التي قد تعيد الحياة الى الاقتصاد الاميركي، الذي خسر حرب كورونا، امام المعسكر الأوروآسيوي. وذلك لانّ الدولة التي ستكون قادرة على اعادة عجلة دوران اقتصادها الى الوضع الطبيعي هي التي ستكون، وحلفاؤها، في وضع من يقرّر مستقبل العالم، وتخليصه من سيطرة الأحادية القطبية والتوحش الرأسمالي، الذي ساد العالم الغربي خلال السنوات الأربعين الماضية.
لن تكون خطوط الدفاع تلك وانما الكتلة الدولية المُشار اليها اعلاه، خاصة انّ الاقتصاد الصيني، وحسب التقارير الدولية المختصة قد نجحت في إعادة تشغيل وتفعيل اقتصادها بنسبة تفوق 80 %، الأمر الذي سيجعلها أكثر حظاً في ترسيخ دورها القيادي العالمي، بالتعاون مع روسيا وربما الهند، ولو بشكل جزئي في البداية.
يهلك ملوكاً ويستخلف آخرين.
 
بعدنا طيبين قولوا الله…

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2020/04/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد