آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد نادر العمري
عن الكاتب :
كاتب وباحث سياسي سوري

تموز.. تغيير معادلات الصّراع

 

  محمّد نادر العمري

إنَّ قلب الموازين وتغير معادلات الصراع لم يكن ضمن حسابات أميركا، ولم تكن تريده، وهو يتجلّى في المجالات التالية.

لم يكن عدوان تموز/ يوليو على لبنان في العام 2006 مجرَّد حرب صغيرة محدودة الأهداف والأبعاد، بل شكَّل هذا العدوان، بما حمله ضمنياً، حرباً ذات أهداف بعيدة المدى يمكن وصفها بالاستراتيجية، أريد لها أن تكون مدخلاً لإعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد، وفق تعبير وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وخصوصاً بعد فشل الإدارة الأميركية خلال تلك الفترة في إخضاع دول المنطقة لمطالبها بعد احتلالها العراق، فلم تنجح في دفع إيران إلى التخلّي عن برنامجها النووي، كما أنّها اصطدمت بصلابة الموقف السوري الذي لم يساوم على نزع سلاح حزب الله، فضلاً عن تنامي قوة الأخير وقدراته الصاروخية أمام أنظار من يجلس في تل أبيب وواشنطن.
إن الوقوف عند توقيت العدوان والأطراف المباشرة وغير المباشرة التي شاركت فيه، وما تبعه من كشف للحقائق، والتطورات العسكرية والسياسية التي شهدتها المنطقة حتى يومنا هذا... كل ذلك يؤكد جدية الهدف الأميركي من هذا العدوان. لذلك، إنَّ قلب الموازين وتغير معادلات الصراع لم يكن ضمن حسابات أميركا، ولم تكن تريده، وهو يتجلّى في المجالات التالية:
1- تداخل جبهات محور المقاومة: لم يكن حزب الله الفاعل الوحيد في التصدي لهذا العدوان، بل استطاع أطراف هذا المحور العمل بمرونة وتكامل في ما بينهم، انطلاقاً من أن العدوان لا يستهدف لبنان أو حزب الله فقط، بل يهدّد المحور بأكمله (معركة مصير). 
لذلك، إنَّ الحقائق التي كشفها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، من تواجد الشهيد قاسم سليماني في لبنان أثناء العدوان، وإقدام سوريا على فتح مخازن سلاحها، وإعلانها الاستعداد للمشاركة إلى جانب الحزب، شكَّلت بداية لهذا التعاون المرن. وقد توّج التكامل لاحقاً في محاربة الإرهاب في العراق وسوريا.
2- إسقاط هيبة القوة والصناعة العسكرية الأميركية - الإسرائيلية: من المعلوم أنَّ كلّ الحروب التي تخوضها أميركا و"إسرائيل" تعتمد فيها على ما كان يوصف بعنصر التفوّق، أي سلاح الجوّ، كعامل حاسم في أيّ معركة، وفي توقيت زمني قصير، ولكنَّ ديناميكية حزب الله وتكتيكه، وسرعته في إطلاق الصواريخ ونقل منصّاتها، وامتلاكه منظومة متطوّرة منها، غيَّر هذه المقاربة، وساهم في تحييد عنصر التفوق الإسرائيلي - باستثناء حجم الدمار الذي خلَّفه - وأصاب الداخل الإسرائيلي لأوَّل مرة في تاريخه بحالة رعب جراء وصول الصواريخ إلى عمق هذا الكيان.
3- التخلّي عن الحرب الكلاسيكية التقليدية لصالح حروب أخرى: يبدو جلياً منذ نهاية عدوان تموز وما خلَّفه من نتائج كارثية، وفق لجان مختصّة عسكرية إسرائيلية وأميركية، أن الإدارات الأميركية المتعاقبة لجأت إلى سياسات عدوانيّة في أشكال جديدة أقلّ كلفة من تلك الكلاسيكية، كالحرب الناعمة، أو الحرب بالوكالة، أو تطوير العمل على الجيلين الرابع والخامس من الحروب، في محاولةٍ منها لتغيير أنظمة الحكم في دول محور المقاومة، وإدخالها في صراع مع بيئتها وحاضنتها الشعبيّة.
4- الحرب النفسيّة وصراع الأدمغة: لم تكن حرب تموز مجرَّد حرب عسكرية تقليديَّة، بل تطلَّبت في بعض جوانبها اللجوء إلى الحرب النفسية والصراع الاستخباراتي والأمني، اللذين شكَّلا محوراً مفصلياً منذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا لصالح المقاومة، وتأثيرها من خلالهما في الداخل الإسرائيلي، عبر إظهار هشاشة تماسكه، وفي تعزيز توازن الردع، ومنح جرعة معنويات لباقي حركات المقاومة في فلسطين المحتلة.
5- تحوّل حزب الله من حزب داخلي لبناني إلى فاعل مؤثر، له وزنه الإقليمي، وخبرته التراكمية، وقدراته القتالية، ودوره في تغيير توازن القوى.
6- بيَّن عدوان تموز مدى العلاقة بين الكيان الإسرائيلي وبعض الدول الخليجية، ومسارعة الأخيرة، برعاية أميركية، نحو تطوير هذه العلاقات والتعاون المشترك لاستهداف محور المقاومة.
من المؤكَّد أن انتصار تموز العسكري والأمني سيُحفظ في رصيد سجلّ محور المقاومة بشكل خاص، حيث أظهر أهمية المنطقة للولايات المتحدة الأميركية، وسعيها إلى استخدام أشكال الحروب كافة لتطبيق استراتيجيّتها.
لذلك، إنَّ دول المحور بأمسّ الحاجة اليوم إلى تطوير أدائها الاقتصادي أكثر مما سبق، وعليها إحداث تكامل وانفتاح بين جبهاتها السياسية والاقتصادية، على غرار الجبهة العسكرية، لاستكمال ما تحقَّق في تموز.

لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2020/07/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد