آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

إيران تسعى لجبهة عالميّة مناهضة للاستعلاء الأميركيّ…

 

محمد صادق الحسيني

ثمّة تخمينات تقارب الواقع بأن رسالة الإمام السيد علي الخامنئي للقيادة الروسية العليا والتي حملها رئيس مجلس الشورى الإسلامي السيد قاليباف قبل أيام الى موسكو انها تناولت استشراف القيادة الإيرانية العليا، لمستقبل العلاقات الغربية مع كل من موسكو وبكين، الأمر الذي تضمن برأي المتابعين عرضاً إيرانياً متكاملاً يتضمن في ما يتضمن المطالبة بموقف أكثر صلابة وحزماً ووضوحاً من القيادة الروسية تجاه الغرب بهدف تشكيل جبهة ردع عالمية بوجه العنجهية والاستعلاء الغربي المتمادي رغم تكسر موجاته الأميركية بخروج ترامب من المشهد السياسي وعدم المراهنة على دخول بايدن الديمقراطي الى البيت الأبيض…!
وها هي مجمل التحركات الغربية في الأيام الأخيرة شرقاً ورغم التحوّل الآنف الذكر، تثبت صحة رؤية القيادة الإيرانية اذ ان من السهولة بمكان لأي مراقب ان يلاحظ الاستفزازات والتهديدات، الأميركية والاطلسية، لكلّ من بكين وموسكو لا زالت مستمرة بشدة، لا سيما على الجانب العسكري، المتمثل في مواصلة الحشود العسكرية والطلعات الجوية، على حدود روسيا الغربية، كما في منطقة بحر البلطيق، ومنطقة البحر الأسود عند حدودها الجنوبية، وكذلك الأمر بالنسبة لمواصلة سلاح البحرية الأميركي ودوّل أوروبية متعددة استفزازاتها لجمهورية الصين الشعبية، في بحر الصين الجنوبي والبحار المجاورة، بحجة إجراء تدريبات بحرية وجوية هناك، تحت ذريعة الحفاظ على حرية الملاحة في الممرات البحرية التجارية الهامة، في تلك المنطقة من العالم.
بل إن هذه الاستفزازات لم تقتصر على الجانب العسكري فحسب، وانما طالت الجوانب الاقتصادية والسياسية والقانونية أيضاً.
فها هو الرئيس الأميركي جو بايدن، يصرّح بأنّ الصين «ستسرق غذاءنا» اذا لم نسرع (الولايات المتحده الأميركية) في إصلاح البنى التحتية في بلادنا. اي ان الرجل يهدد الصين بشكل مباشر، بعد ان اتهمها بسرقة غذائه، خاصةً أنه كان قد شكل فريق عمل Task Force في البنتاغون، في الأسبوع الأول من توليه السلطة، وكلفه بإعداد مقترحات، خلال اربعة أشهر، تقودنا الى اتباع سياسة أكثر قوةً مع الصين.
كان ذلك قبل مكالمته الهاتفية الطويلة مع الرئيس الصيني، شين جين بينغ، يوم 10/2/2021، والتي أكد فيها على العديد من المواقف الأميركية المتشددة، تجاه الصين، رغم استخدامه نغمةً دبلوماسيةً تقليديةً، خلال تلك المكالمة.
اذن فإن الولايات المتحدة، ومعها أدواتها في حلف شمال الاطلسي، لم ولن تتراجع عن استراتيجيتها العدوانية تجاه الصين، والمتمثلة في مواصلة قطعها البحرية وطائراتها الحربية خرق السيادة الصينية في مياه الصين الإقليمية، في كل من بحر الصين الجنوبي والبحر الأصفر وغيرهما من البحار المجاورة.
ما يعني أنّ المراقبين الموضوعيين يتوقعون من بكين ان تتخذ الإجراءات اللازمة، وفِي كل المجالات، لمواجهة هذه السياسات الغربية العدوانية، الهادفة لفرض شروط استراتيجية على الصين، تؤدي الى وقف نمو اقتصادها وتراجع مكانتها الدولية، خاصة اذا ما نظرنا الى ما قاله الرئيس بايدن في تصريحه، حول امتلاك الصين كميات ضخمة من الأموال التي يمكن ان تستثمرها في كثير من بلدان العالم.
وبما أنّ اللبيب من الإشارة يفهمُ، فإنّ كلام بايدن هذا، ليس سوى تعبير عن تخوّفه من قيام جمهورية الصين الشعبية بتعزيز دعمها، الاقتصادي والسياسي والعسكري أيضاً، لحلفائها الموضوعيين (الحلفاء الموضوعيين هم تلك الدول التي تتقاطع مصالحها مع مصالح الصين في مواجهة سياسات الهيمنة الاستعمارية الاوروأميركية حتى دون التفاهم على خطوات او هيئات تحالفية).
وبكلام أكثر وضوحاً فإنّ الرئيس بايدن قد عبّر، من خلال كلامه هذا، عن خشيته من أن تقوم الصين الشعبية بتوسيع نطاق دعمها للقوتين الأبرز، اللتين تتصديان لمحاولات إعادة فرض الهيمنة الأميركية على العالم، ألا وهما الجمهورية الاسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية، الخاضعتان لأقسى أنواع العقوبات المالية والاقتصادية التي عرفها التاريخ…!
فهل وصلت رسالة بايدن الى بكين؟
وهل تمّت قراءتها بدقةٍ يا تُرى من قبل القيادة الصينية؟
إنّ هذا ما يتمناه كل من يريد الخير والتقدم، للصين وروسيا وإيران وسورية وغيرها من الدول، في القارات الخمس، كي يصل العالم الى توازن جديد بين القوى الدولية، يفتح الطريق امام التعاون الاقتصادي السلمي للحلول مكان سياسة العدوان والسيطرة ونهب الثروات، التي تتبعها القوى الاستعمارية الغربية، منذ قرون.

ولا بدّ في هذا السياق أيضاً، من التذكير بأنّ الطريق الى مواجهة التحركات العدوانية الغربية، ضد روسيا، في الغرب والجنوب الغربي والمحيط الهندي وبحر بارينتس (أقصى شمال شرق روسيا) والقطب الشمالي أيضاً، لا بدّ أن يمرّ عبر تعزيز الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري، للحلفاء الموضوعيين لروسيا، مثل إيران وسورية، وعدم التعويل على دول الاستعمار الغربي، سواء حملت اسم الاتحاد الأوروبي او الولايات المتحده الأميركية. إذ ان الدول الأوروبية هذه نفسها هي التي حاولت في السابق غزو الأراضي الروسية واحتلالها والسيطرة عليها، سواءٌ في العهد النابليوني او في العهد النازي، ولَم تكن لا سورية ولا إيران جزءاً من تلك المحاولات.
وهي بالمناسبة محاولات لا زالت مستمرةً، حتى يومنا هذا، بدليل مواصلة العناصر الإرهابية محاولاتها لتنفيذ عمليات تفجير وزعزعة للامن الداخلي الروسي، التي كان آخرها عملية تفجير مركز تجاري ضخم، في إحدى المدن الروسية، وما سبق ذلك من تهديدات أوروبية، بفرض عقوبات مالية واقتصادية على روسيا، بحجة استمرار اعتقال السلطات الروسية لعميل روسي، تمّت صياغته من قبل الأجهزة الأمنية الغربية، لاستخدامه لغرض التدخل في الشؤون الداخلية الروسية.
هذا التدخل الذي اوصل الأمور الى حدّ انّ وزير الخارجية الروسي، السيد لافروف، قد اضطر أن يصرّح، بأنّ روسيا مستعدة لقطع علاقاتها مع أوروبا، اذا قامت الأخيرة بفرض عقوبات جديدة عليها… ما يعني ان روسيا ترفض فرض العقوبات عليها، فلماذا لا تتحرك بفاعليةٍ اكبر، وهي قادرة على ذلك، لرفع العقوبات، المفروضة عليها، وعلى إيران وسورية وغيرها من الدول!؟
إنّ التحرك الفعّال، في هذا المجال، خير من الاعتماد على تصريحات ضبابية ومريبة، كتلك التي أدلى بها نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، يوم 11/2/2021، والتي حاول فيها اختلاق الحجج والأعذار للولايات المتحدة، مبرّرات لها لامتناعها عن رفع العقوبات عن إيران، لا بل مطالباً إيران بضبط النفس!
رغم اطلاعنا الأـكيد على صلابة الرئيس بوتين وموقف الدولة الوطنية الروسية القوي في ضرورة تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع إيران، الا أنّ الوقوف بصلابة وحزم، في وجه سياسات العقوبات الأميركية، المخالفة لأحكام القوانين الدولية والأعراف الإنسانية كافة، هو أقصر الطرق لوضع حدّ لها ومنع الولايات المتحده وأذنابها الأطلسيين من اللجوء الى مثل هذه الأساليب الأقرب الى أساليب عصابات المافيا وقُطّاع الطرق منها الى أساليب دول تعيش في القرن الحادي والعشرين.
وبمعنى آخر فإنّ محاولات مسالمة عصابات رأس المال الصهيونية الكبرى، في روسيا، وعلى رأسها مجموعة ألفا غروب (Alpha Group) التي يرأسها الملياردير الروسي، الهارب الى لندن، ميخائيل ماراتوڤيتش فريدمان، تقول إنّ هذه المحاولات لن تجدي نفعاً ولن تؤدي الى استرضاء عواصم الاستعمار الغربية وجعلها تغيّر موقفها من جمهورية روسيا الاتحادية.
وهنا لا بدّ من التأكيد على انّ موضوع العميل، اليكسي نافالني، هو واحدة من الأدوات التي تستخدمها الدول الغربية لتقويض سيادة روسيا ووحدة أراضيها. علماً انّ مجموعة الفا الروسية العملاقة هي التي تقوم بتمويل نشاطات هذا العميل الروسي، الذي يطلقون عليه اسم المعارض. علماً انّ السبب وراء دعم مجموعة ألفا الاستثمارية العملاقة لهذا العميل هو تماديها في الهدف والوسائل مع عواصم الدول الغربية، التي تهدف الى السيطرة على روسيا الدولة من أجل نهب خيرات روسيا الطبيعية اللامحدودة.
هناك معسكران يتقابلان في عالم اليوم:
الأول هو المعسكر الأميركي الأوروبي الاستعماري، والثاني هو المعسكر الداعي الى تعدّد القطبية ومنع الهيمنة على العالم. فإما الوقوف هنا أو هناك.
لم يعد من المقبول ولا من الممكن «وضع رجل في البور ورجل في الفلاحة»، كما يقول المثل.
لقد ذهب عصر الحزب الديموقراطي الروسي Social democratic party، وسياساته الانتهازية، والذي كان قائماً ويطبق هذه السياسات في بدايات القرن العشرين.
إنه عصر القرارات الاستراتيجية وليس عصر القرارات الانتهازية…!
بعدنا طيبين قولوا الله…

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2021/02/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد