آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الحي زلوم
عن الكاتب :
مستشار بارز لشؤون البترول منذ أكثر من 45 سنة. أنهى دراسته الجامعية الاولى والعليا في الهندسة والادارة من جامعات تكساس، لويزيانا، كاليفورنيا، و هارفرد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. عمل في الولايات المتحدة واوروبا. كما ساهم في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات البترول الوطنية العربية في الخليج والعراق وافريقيا،

هل كان هناك مبرر لخصخصة أرامكو حسب رؤيا بن سلمان 2030 وبيع 5% من قيمتها السوقية..

 

د. عبد الحي زلوم

1-  هل كان هناك قتلة اقتصاديون ساهموا في وضع رؤيا 2030 ؟

كان أول ما طرأ في خاطري حين قراءتُ موجزاً عن رؤية بن سلمان 2030  أنه كان بين مستشاريه الذين ساهموا في إعدادها قتلة اقتصاديون أمريكيون الذين فضح أمرهم جون بيركنز الذي ٱشتهر بعد تأليفه كتاب “اعترافات قاتل اقتصادي”، الذي ترجم إلى ثلاثين لغة أجنبية يروي خلاله أنه بعد تخرجه من الجامعة  تمت مقابلته من كبريات وكالات الاستخبارات الأمريكية والتي أحالته إلى شركة هندسية استشارية.  يروي بيركنز الدور الذي لعبه كقاتل اقتصادي في عمليات الإستعمار الإقتصادي لبلدان العالم الثالث و من خلال رشوة وابتزاز رؤساء وملوك الدول النامية على قبول أخذ قروض من الولايات المتحدة الأمريكية تحت ذريعة تطوير بنيتها التحتية وجلب التقدم والمنفعة مقابل منح الشركات والبنوك الأمريكية كافة الامتيازات في جميع المناقصات والعقود، لكن الحقيقة كانت إدخال هذه الدول في مستنقع الديون والتبعية الإقتصادية للولايات المتحدة، وإذا ما حاول أحد الزعماء السياسيين رفض شروط التعاون أو الإذعان للحكومة الأمريكية فإن هذه الأخيرة ترسل أجهزة خاصة سماها في كتابه ب”الجاكلز″ لتصفيته، مستشهداً بما حدث لعدة رؤساء وملوك بدأً بالإطاحة برئيس وزراء إيران السابق محمد مصدق واغتيال الملك فيصل وعمر توريخوس ببنما إلى صدام حسين في غزو العراق.

صرّح الأمير محمد بن سليمان أن القيمة السوقية لأرامكو هي 2 تريليون دولار وسارعت الوول ستريت جيرنال بتبخيس السعر وقالت إن قيمتها أقرب إلى 1.5 تريليون دولار . إذا فقيمة الـ5% الذي يراد بيعها تساوي 75 مليار دولار حسب تقدير الوول ستريت جيرنال فهل دولة تستطيع أن تستثمر في الاقتصاد الأمريكي 460 مليار دولار بحاجة إلى 75 مليار دولار ؟  لو أراد بن سلمان أن يبيع 49% من أرامكو وذلك يعني الحصول على 735 مليار دولار  فهل هذا المبلغ يساوي بيع جوهرة الاقتصاد السعودي بينما كان يتوفر مثل هذا المبلغ قبل سنتين في صناديق الاستثمار السيادية السعودية في  الخارج؟

لكن في المقابل لماذا لا تشتري السعودية في جزء من صناديقها السيادية كبرى شركات النفط الأمريكية لإيكسون موبيل والتي قيمتها السوقية 345 مليار دولار وتشتري فوقها شركة جيرنال متورز للسيارات وقيمتها السوقية 55 مليار دولار  ما مجموعهما 400 مليار { حسب قيمتهما كما في 14/7/2017} بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية الأمريكية التي ترفض الشركات الأمريكية الكبرى المساهمة في بناءها نظراً لعائدها الاقتصادي المتدني ؟  ولم لا تشتري شركة البوونغ وقيمتها السوقية 125 مليار دولار؟

ولا يفوتني هنا أن أبين أن مبلغ 460 مليار دولار يساوي كافة عائدات النفط للعربية السعودية لإنتاجها بمعدل 10 مليون برميل وبسعر اليوم 45 دولار يساوي كل مبيعات النفط السعودي لسنتين و 285 يوماً ! هل يحق لنا أن نقول يا حرام خاصة وأن الحكومة السعودية لم تدفع مستحقات مقاوليها مما تسبب في إفلاسهم وهم عماد بناء أي خطة تنمية  وتسبب في عدم دفع رواتب ومستحقات  مئات آلاف الغلابة من العمال لدرجة أن جاعوا  واضطرت حكومة الهند أن ترسل لمواطنيها الغذاء بالطائرات.

2-  مدخرات السعودية في صناديقها السيادية في تناقص ومديونيتها في ازدياد

كان هذا ما كتبته رويترز  نقلاً عن خبراء  عالميين بعنوان : “هبوط غامض ومستمر في الاحتياطيات الخارجية السعودية”: يبدو أن صافي الأصول الخارجية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي ، بسبيله إلى تسجيل انخفاض حاد هذا العام… .فقد انخفضت تلك الأصول من مستوى قياسي بلغ 737 مليار دولار في أغسطس آب 2014 إلى 529 مليارا في نهاية 2016 مع اتجاه الحكومة لتسييل بعض الأصول لتغطية العجز الضخم في الموازنة.”  والشيء بالشيء يذكر فكلفة حرب اليمن هي 6 مليارات دولار شهرياً ! وهذا يعني أن أربعة ملايين وأربعمائة وأربعين ألف برميل يوميا أي 44٪ من إنتاج النفط السعودي  يذهب لتمويل الحرب علـي اليمن.

3-  هل انخفاض أسعار النفط قضاءً وقدراً ؟ ومن الذي يقرره ولمصلحة من ؟

 وصلت معدل أسعار النفط في الربع الأول لـ2017 نفس معدلها لسنة 2016 أي 45 دولار للبرميل . فلماذا هذا الهبوط ومن يقرره ؟

دراسة مادة الحالة 096-383-9 في كلية الدراسات العليا للإدارة في جامعة هارفارد تقول:” السيطرة على سعر النفط وكمية إنتاجه هما من ركائز الأمن القومي الأمريكي” وهنا أريد أن أؤكد أن السيطرة على السعر والكم لان السعر مربوط بالكم . فإذا كان السعر والكم من ركائز الأمن القومي فمن البديهي أن الولايات المتحدة لا تجيره إلى أحد وأنها هي التي تقرره حسب مصالحها وليس لمصالح المنتجين .

في مقابلة مع  الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر السابق مع الفينانشال تايمز “في 15 إبريل 2016 قال  فيها :” على ثلاثين عاماً ظلت منطقة الخليج تتحكم بأسعار النفط من أجل الغرب . فماذا ربحنا في المقابل؟ عندما كانت أسعار النفط تهبط  كانوا يقولون لنا تحكموا في السعر . وعندما كانت  تصعد  كانوا يصرخون ويقولون لا تفعلوا ذلك.”  وهكذا قطع الشيخ حمد بن جاسم قول كل خطيب!!!

4-  المستفيد والمتضرر من انخفاض أسعار النفط ؟

عندما انخفض سعر النفط من 105  إلى 45 دولار كمعدل كانت خسارة دول وشعوب دول الخليج المنتجة لحوالي 18 مليون برميل يومياً يساوي حوالي 395 مليار دولار سنوياً  نصيب السعودية من هذه الخسارة حوالي 220 مليار دولار سنوياً وهذا يساوي 3 أضعاف الـ5% التي تريد السعودية أن تبيعها من أرامكو . لو كان أمر التسعير سيادياً لامكن المحافظة على سعر 100 دولار فما فوق بكل بساطة بخفض الإنتاج لاستيعاب الفائض عن الطلب في السوق . ولكن ما هي نتيجة مثل هذا التخفيض ؟؟كان يمكن المحافظة على السعر لو خفضت دول الخليج إنتاجها بـ 20% . ثمن مبيع 10 مليون برميل إنتاج السعودية على معدل 45 دولار يساوي165 مليار دولار تقريباً . لكن بيع 8 مليون برميل على سعر 110 دولار للبرميل يساوي حوالي 320 مليار دولار . أي لو خفضت السعودية الإنتاج بـ20% فقط لكان دخلها أفضل ب155 مليار دولار سنوياً أفضل من إنتاجها 10 مليون بالسعر الحالي  بالإضافة أنها توفر 2 مليون برميل في اليوم للأجيال القادمة . هنا يستحضرنا السؤال لماذا الإنتاج فوق حاجة التنمية وتحويل النفط إلى أوراق  تذهب إلى  خزينة الولايات المتحدة لسداد عجوزاتها بدلاً من المحافظة على هذه الثروة في مكامنها؟.. هذا بافتراض أن دول النفط تستطيع أن تمارس سيادتها  في التحكم بكمية الإنتاج  ؟

عندما نقول أن سعر الـ100 دولار للبرميل ليس رقماً مبالغاً به فقد وصل سعر البرميل  في ديسمبر 1979 إلى 38 دولار والتي تساوي بدولارات اليوم  120 دولاراً.

5-  من الخاسر ومن المستفيد من هبوط أسعار النفط ؟
الدول المستهلكة وغير المنتجة هي المستفيد الأول . وفي حالتنا هذه نبين أن خسارة دول الجزيرة العربية السنوية لانخفاض السعر من 110 دولار إلى 45 دولار يساوي تقريبا 427 مليار دولار سنوياً كان يمكن الحفاظ عليها لو تمّ الإبقاء على السعر . ولكن في المقابل تستهلك الولايات المتحدة 18 مليون برميل في اليوم أيضاً وبذلك وفر اقتصادها نفس المبلغ الذي خسرته دول النفط أي 427 مليار دولار . وقد دأبت الولايات المتحدة باللعب بأسعار النفط لتحفز اقتصادها عند برودته وزيادة الأسعار عند سخونته .

كان نتيجة خسارة المليارات للدول العربية المنتجة هو قوانين التقشف من زيادة أسعار الوقود والماء والكهرباء وزيادة الرسوم وفرض الضرائب الجديدة بما فيها ضريبة المشتريات وضريبة الدخل من جملة إجراءات أخرى. ولكن في المقابل تمّ تمرير 427 مليار في الولايات المتحدة للمستهلك لتحفيز الاقتصاد وذلك عن طريق خفض أسعار البنزين والماء والكهرباء … الخ فالخسارة أصابت مواطن الدول المنتجة والربح أصاب مواطن الولايات المتحدة . هل تريدون توضيحاً أكثر من ذلك؟

سأل أحد طلبة كلية البترول السعودية في الظهران، وزير بترول المملكة العربية السعودية الأسبق  أحمد زكي اليماني في يناير 1981، هذا السؤال:

 “المواطن السعودي الذي ينظر إلى السياسة النفطية الحالية سيجد بأن المملكة تنتج أكثر مما يحتاجه اقتصادها، وتبيع نفطها بأسعار أقل من المعدلات الجارية، بل أقل من الأسعار التي تبيع بها دول الخليج الأخرى . … ألا تعتقد بأنه حان الوقت لأن نتوقف عن التضحية بأنفسنا في سبيل إرضاء مستهلكي النفط؟”.

مثل هذه المحادثة لم تغب عن آذان مخابرات الولايات المتحدة، فلقد وردت في  إحدى حالات الدراسة ( CASE STUDY ) عن ” السيطرة على النفط العالمي ” لكلية الدراسات العليا للإدارة  بجامعة هارفارد.

مما يؤسف له أن  وَقَفَ بعض وزراء النفط العرب  أمام شاشات التلفزة  يدافع عن قرار خيبتهم وإغراق الأسواق العالمية بما يزيد عن الطلب مما أدى إلى تدهور الأسعار إلى أقل من النصف وأن قرار انتحارهم الاقتصادي ما هو إلا قرار سيادي  موجه ضد صناعة النفط الصخري . بدأ   الإعلام الأمريكي  بترويج أكذوبة الزيت الصخري وأن الولايات المتحدة قد وصلت إلى الاكتفاء الذاتي نفطياً .وباختصار زاد النفط الصخري من إنتاج الولايات المتحدة واحتياطها لكنها ما زالت مستوردةً للنفط كمية تزيد عن كل إنتاج الكويت وإن إنتاج الزيت الصخري سيصل خلال سنتين إلى ذروته وأن احتياطي  النفط في السعودية نفسها يساوي 265 مليار برميل في حين أن احتياط النفط في الولايات المتحدة بما فيه النفط الصخري يساوي 35 مليار فقط.

 خلق الله النفط خلال مئات ملايين السنين كما يقول الجيولوجيون ويقوم بعض عباده بإضاعته بجرة قلم !.

إن الرهان على الولايات المتحدة هو رهان خاسر  فإمبراطوريتها في أفول.وليس للإمبراطوريات  حليف ولا صديق فاعتبروا بشاه إيران وماركوس ونوريغا بل وحسني مبارك.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد