آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الحي زلوم
عن الكاتب :
مستشار بارز لشؤون البترول منذ أكثر من 45 سنة. أنهى دراسته الجامعية الاولى والعليا في الهندسة والادارة من جامعات تكساس، لويزيانا، كاليفورنيا، و هارفرد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. عمل في الولايات المتحدة واوروبا. كما ساهم في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات البترول الوطنية العربية في الخليج والعراق وافريقيا،

ما دور العائلات اليهودية وتجار الأسلحة والحروب في نفط العرب والمسلمين؟


د. عبد الحي زلوم

سجل أول ظهور في التاريخ للنفط في العراق في هيت قرب بغداد قبل حوالي 5 آلاف عام. كان  تسرب النفط إلى سطح الأرض عبر الشقوق في المناطق التي تسمى الآن العراق وإيران  وشبه الجزيرة العربية تحدد مكانه. وظل البترول محدوداً في استخدامه كدواء حتى منتصف القرن التاسع عشر.

جمع جورج بيسيل عدداً من المستثمرين ليجروا دراسة حول ما إذا كان البترول يمكن استخدامه كسائل مضيء، وفوضوا أستاذاً في الكيمياء من جامعة ييل بإجراء هذه الدراسة. وأصبح التقرير جاهزاً في 16/4/1855. كانت نتائج التقرير إيجابية بأنه يمكن تقطير هذا الزيت إلى عدة منتجات بما فيها مادة الكيروسين للإضاءة .

كان الصينيون قد طوروا تقنية للحفر قبل 1500 عام يمكنها الحفر حتى عمق 3000 قدم بحثاً عن الملح . سجل بسيل شركة اسمها (شركة نفط سينيكا Seneca Oil Company)، وعين وكيلاً عاماً لها إدوين دريك وأُوكلت إليه مهمة الحفر قرب  مدينة تيتوسفيل (Titusville) في بنسلفانيا في مزرعة يوجد بها تسرب ينتج يومياً ما بين 3 إلى 5 غالونات من النفط حتى تمكن من إنتاج النفط على عمق 69 قدماً في عام 1859. واشتروا كل براميل الويسكي الموجودة داخل وخارج المدينة كي يتمكنوا من تخزين النفط المكتشف. وبات التخزين هو المشكلة الكبرى  حيث أن سعر برميل الويسكي الفارغ وتكلفته أصبحت تعادل ضعفي كلفة النفط الموجود بداخله.

وفي 10/1/1870 أسس روكفيلر وشركاه شركة نفط ستاندارد (Standard Oil Company).. وقد تمكنت شركة نفط ستاندارد من إملاء شروطها على منتجي النفط من خلال عدة وسائل، منها التحكم بنقل النفط عبر السكك الحديدية، والتواطؤ معهم، علاوة على التحكم بعمليات تكرير النفط والبيع بأسعار أقل بكثير من الشركات المنافسة، مما أدى إلى إفلاسها. وسيطرت ستاندارد على ج 90% من إجمالي الكيروسين الأميركي مع نهاية السبعينيات من القرن التاسع عشر، وأصبحت روسيا سوقاً كبيرة جداً لشركة نفط ستاندارد.

كان هناك في باكو، عاصمة أذربيجان، بعض الأماكن التي يحدث فيها تسرب نفطي وكانت الفترة ما بين عامي 1871-1872 قد شهدت حفر أول الآبار، ثم تم تشغيل 20 محطة تكرير بحلول عام 1873 إحداها اشترتها عائلة نوبل الشهيرة. والتي كانت تعمل في تجارة الأسلحة.

وهنا بدأ الكيروسين الذي تملكه عائلة نوبل ينافس بقوة الكيروسين الذي تُصدره شركة نفط ستاندارد. لمنطقة بحر قزوين. وتمكنت  عائلة نوبل على وجه السرعة من ابتكار ناقلات النفط سنة 1878 وأصبحت “شركة الأخوة نوبل لإنتاج النفط”  ، أول شركة نفطية متكاملة في العالم تدمج من التنقيب والإنتاج وحتى  أنظمة التوزيع بالتجزئة. وتم   تحقيق ذلك كله في غضون عشر سنوات فقط! وأخرجت  الكيروسين الأميركي من روسيا. ولسبب إلحاح منتجي النفط الروس، قامت روسيا باحتلال ميناء باتوم (Batum) التركي على البحر الأسود حتى يتمكنوا من ربطه مع نفط القفقاس، عن طريق خط من السكك الحديدية. وقامت الشركة الروسية صاحبة العلاقة بضمان قرض من عائلة الرروتشايلد  مقابل رهن مرافق نفطية) وإعطاء محطة تكرير تابعة لعائلة الروتشايلد  في ميناء فيوم على البحر الأدرياتيكي بأسعار تفضيلية. وبعد إنشاء خط السكك الحديدية بين باكو وباتوم، والانتهاء منه، قامت عائلة الروتشايلد بتأسيس شركة نفط البحر الأسود وبحر قزوين (بنيتو) Bnito. بحلول عام 1888، أصبح الإنتاج الروسي يبلغ 80% من الإنتاج الأميركي وبات بحاجة لأسواق للتصدير مما  أقض مضجع شركة نفط ستاندارد، والتي كانت لديها شبكة تجسس خاصة تضم العديد من قناصل الحكومة الأميركية. اتخذت شركة ستاندارد إجراءات صارمة تمثلت في تخفيضها لأسعار نفطها في أوروبا.

قامت عائلة الروتشايلد بالبحث عن أسواق لها. وكان فريد لين (Fred Lane) يرعى مصالح نفط عائلة الروتشايلد في لندن، حيث عرّفهم على ماركوس صامويل  وهو يهودي مثلهم. وكان لوالد ماركوس علاقات تجارية وطيدة مع اليابان، وشبكة متكاملة من العلاقات مع البيوتات التجارية البريطانية في كل دول الشرق الأقصى . وجاء افتتاح قناة السويس عام 1869 ليختصر الرحلات البحرية إلى الشرق الأقصى بحوالي4000 ميل.

قرر ماركوس صامويل أن يبني ناقلات نفط لتعبر قناة السويس وفي 22/7/1892، أبحرت الناقلة موريكس (Murex) من باتوم، وعبرت قناة السويس في 23/8/1892. وتشكلت بعد ذلك شركة للناقلات. وما بين عامي 1894-1895 كانت شركة الأخوة صامويل أيضاً قد أصبحت المزود والممول الرئيس للأسلحة والإمدادات لليابان في حربها ضد الصين.

في عام 1880، قام مدير هولندي في شركة تبغ شرق سومطرة بتجميع عينات من تسرب نفطي من أحد الشقوق، وأرسلها للتحليل وكان 60% من ذلك النفط عبارة عن كيروسين. وقد حصل هذا الهولندي، واسمه تسيلكر(Zijlker)، على امتياز من سلطان لانكات لشمالي شرقي سومطرة، حيث تم عام 1885 حفر أول بئر بنجاح. وحصل تسيلكر على المال، الذي كان يلزمه من خلال بعض المصرفيين، إلى جانب حصوله على رعاية الملك الهولندي نفسه، الذي منح الشركة لقب “ملكية” ليصبح اسمها الشركة الملكية الهولندية (Royal Dutch Company). واستكملت رويال دوتش تجهيز بنيتها التحتية في الهند الشرقية، فشرعت في أعمالها بدءاً من 2/4/1892،وحصلت رويال دوتش على “حماية” من الحكومة الهولندية.

في عام 1882، أدار المخترع توماس أديسون مفتاح مولد كهربائي في مكتب المصرفي جيه بي مورغان في مانهاتن ليشعل بذلك ثورة هائلة غيرت وجه العالم. كما  أن الكهرباء سرت في لندن في العام نفسه، وتدريجيا، حلّ مصدر النور النظيف هذا محل الكيروسين.  وفي الوقت نفسه اخترع المهندس الألماني دايملر    (Daimler) محرك الاشتعال الداخلي والذي يمكن استخدامه بمشتق آخر من البترول هو البنزين. تمكن هنري فورد  من تطوير سيارة أسماها باسمه. وهكذا تبدلت أولويات المشتقات النفطية من الكيروسين إلى  البنزين ولاحقاً  زيت الوقود عندما وافق ونستون تشرشل  أدميرال البحرية على استبدال الفحم كوقود للأسطول البريطاني بزيت الوقود، وهو مشتق بترولي آخر أضفى على النفط بعداً استراتيجياً إضافياً. وعندما أصبحت المركبات المدرعة والدبابات والطيارات فيما بعد، أسلحة للحرب العصرية، أصبح البترول هو المصدر الذي يوجه نمو القرن العشرين، بل وحروبه وصراعاته.

ظل صامويل حتى أواخر التسعينيات من القرن التاسع عشر يحصر معظم استثماراته في ناقلات النفط ومرافق التخزين، ولكنه الآن يحتاج إلى إمداداته الخاصة من النفط. لذا، فقد حصل على امتياز في إقليم كيوتاي (Kutei) شرق بورنيو (Borneo). واكتشف أول بئر نفطي عام 1897، بينما اكتشفت أول بئر غزيرة الدفق في إبريل من عام 1898 وفي الوقت ذاته، قام صامويل بدمج كل شركاته شركة واحدة عام 1897 وهي شركة شل للنقل والتجارة ، ثم اندمجت هذه الشركة فيما بعد مع رويال دوتش لتشكل شركة رويال دوتش  شل Royal Dutch Shell. وهكذا شكل اليهود أول شركة نفط من ما يسمى بالاخوات السبعة .

في السنوات الأولى من القرن العشرين أصبح النفط الروسي مهدداً بفعل الحركات الثورية، وهذا ما أصاب الشركات الروسية وعائلتي الروتشايلد ونوبل بنوبة من القلق وأصبح جوزيف جوغاشريليJoseph Djugashrili)، الذي عرف فيما بعد باسم جوزيف ستالين  المنظم الاشتراكي الرئيس في ميناء باتوم النفطي. وكان هذا سبباً  جعل  عائلتي الروتشايلد ونوبل يفكرون في بيع شركاتهم النفطية. وفي عام 1912، باعت عائلة الروتشايلد كل شركاتها النفطية الروسية واستبدلتها بأسهم وحصص في شركة رويال دوتش  شل بحيث أصبحت من كبار المساهمين. وحيث أن شركة شيل shell قد أصبحت شركياً رئيسياً في امتياز نفط العراق فلذلك أصبحوا جزءاً من ملكية شركة نفط العراق لاحقاً .

 في 25/5/1901، وقّع امبراطور إيران مظفر الدين شاه اتفاقية لامتياز نفطي مع شركة ويليام نوكس دآرسي التي منحتها وزارة الخارجية البريطانية كل الدعم السياسي، ومن ثم العسكري ، وعينت الضابط آرنولد ويلسون مسؤولاً عن حماية عمليات دآرسي في إيران. وتعرضت ميزانية دآرسي إلى هزة عنيفة حيث نفذت كل أمواله وباتت عملياته مهددة بالتوقف..  قابل دآرسي الفرع الفرنسي لشركة عائلة الروتشايلد، . فأرسلت المخابرات البريطانية جاسوسها الأكبر ريلي (Reilly) ليقنع دآرسي ببيع الامتياز إلى شركة بريطانية مسيحية ذات سمعة جيدة. وقد تنكر ريلي بزي كاهن ليداعب المشاعر الدينية القوية المعروفة لدى دآرسي ، ولكن ريلي كان يهودياً واسمه الحقيقي سيغموند جورجيفيتش روزنبلوم . الشي بالشيء يذكر فقد حصل رويتر مؤسس وكالة رويترز للأنباء على امتياز التنقيب عن النفط في بلاد فارس( ايران)  في الربع الأخير من القرن التاسع عشر . لكن تمّ إلغاء الامتياز بعد أن تظاهر الناس ضد ذلك الامتياز بعد أن عرفوا أن رويتر يهودي وأن اسمه قبل أن يغيره كان إسرائيل جوزيفات.

في 25/5/1908، اُكتِشِفَ النفط قرب مسجد السليمان. وفي 19/4/1909، باع بنك إسكتلندة أسهماً في شركة النفط البريطانية . الفارسية ومع عام 1912، كان رأس المال العامل لهذه الشركة قد نفذ تماماً بسبب حقول النفط الضخمة المكتشفة، والبنى التحتية اللازمة لتطويرها واستغلالها. وفي 20/5/1914، وقعت الأدميرالية البحرية البريطانية وشركة النفط البريطانية الفارسية اتفاقية، امتلكت بموجبها الحكومة البريطانية 51% من الشركة المذكورة بحيث يكون للحكومة ادميرالان عاملان في مجلس إدارتها ويُعينان من الحكومة، علاوة على اتفاقية سرية منفصلة تمنح الإمارة البحرية زيت الوقود بأسعار تفضيلية.

ولقد تغير اسم شركة البترول البريطانية الفارسية إلى شركة البترول البريطانية ( BP)
من الجدير ذكره أن عائلة نوبل المعروفة وعائلة ماركوس كانت مهنتهما تجارة الأسلحة وأن عائلة الروتشايلد كانت مهنتها الأساسية تمويل الحروب . وهكذا امتزج النفط مع الحروب والدماء والسياسة.

مولت عائلة الروتشايلد الحكومة البريطانية لشراء أسهم مصر  في شركة قناة السويس سنة 1875. وفي حدود الوقت ذاته  مولت المستوطنات اليهودية في فلسطين بل وجهت الحكومة البريطانية وعد بلفور إلى  ”  اللورد روتشايلد”.  كذلك فوضت الادميرالية البريطانية حوالي سنة 1880 اثنين برتبة ادميرالان في البحرية لدراسة جدوى التنقيب عن المصادر النفطية والمعدنية في منطقة مِديّن المتاخمة لخليج العقبة تم بعدها مباشرة الإعلان عن تأسيس شركة استثمار باسم اكس . واي للتنقيب والتطوير المحدودة وتم بعدها تأسيس شركة البحر الميت للبترول سنة1882 وهي أول شركة صاحبة امتياز للتنقيب عن النفط في الشرق الأوسط. وللعلم أعلن الكيان الصهيوني عن اكتشاف حقل نفط في منطقة البحر الميت سنة 2016 مدعياً أن الحقل في أرضه بينما الحقل هو في الأراضي الفلسطينية.

“مصدر المقال مختصر عن كتاب(حروب البترول الصليبية) للمؤلف”
صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/08/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد