آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الحي زلوم
عن الكاتب :
مستشار بارز لشؤون البترول منذ أكثر من 45 سنة. أنهى دراسته الجامعية الاولى والعليا في الهندسة والادارة من جامعات تكساس، لويزيانا، كاليفورنيا، و هارفرد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. عمل في الولايات المتحدة واوروبا. كما ساهم في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات البترول الوطنية العربية في الخليج والعراق وافريقيا،

هل كانت رؤيا 2030 الاقتصادية السعودية تصوراً واقعياً أم كانت أضغاث أحلام؟


د. عبد الحي زلوم

في سنة 1940 بدا نشاط الشركة الكليفورنية العربية للبترول بالتقلص نتيجة الحرب العالمية الثانية وكانت سنة 1940بالنسبة إلى اقتصاديات ابن سعود سيئة نتيجة إلى هبوط عدد الحجاج بأرقام غير مسبوقة مع أن موسم الحج كان من الموارد الرئيسية لميزانية الدولة .

للخروج من أزمته طلب ابن سعود المساعدة من الحكومة البريطانية ومن شركة النفط الكليفورنية بأن تدفع له مقدماً من عائدات النفط في تلك السنة كانت الحكومة البريطانية قد قدمت مساعدة بمقدار 100000 جنيه إسترليني لحكومة ابن سعود.

مقابل ذلك كانت الشركة قد دفعت 2.9 مليون دولار دفعة مقدمة للسعودية بالإضافة إلى 1.7 مليون دولار دفعتها الشركة في السنة السابقة . أصبحت مطالبات ابن سعود المتكررة للمساعدة المالية بالإضافة إلى خوف الشركة من محاولة الانجليز اختطاف امتياز النفط منها بالإضافة إلى ظلال الحرب العالمية الثانية كل هذه الأسباب جعلت الشركة في موقف حرج .  طار رئيس الشركة الأمريكية إلى السعودية واجتمع مع الحكومة وأبلغهم أن الشركة ستدفع 3 مليون دولار دفعة مقدمة بدايةً يتبعها 3 مليون دولار أخرى لاحقاً بنفس السنة.  اخبره وزير المالية السعودي أنه سيضع هذه الستة ملايين دولار في ميزانيته سنة 1941. ونجح رئيس الشركة في إقناع الدولة بتمديد الامتياز سنتين في الوقت الذي تتوقف فيه الشركة عن أعمالها أثناء الحرب . لكن الشركة في حقيقة الأمر لم تكن راغبةً في دفع لا أول ولا ثاني 3 مليون دولار لخوفها من الأسباب الثلاثة المذكورة أعلاه . لذلك بدأت الشركة باتصالاتها مع الحكومة الأمريكية بأن تقوم الحكومة بمساعدة السعودية تحت برنامج الإقراض والاستئجار (Lend – lease) . لكن الرئيس روزفيليت في أكتوبر 1941  وجد أن شروط ذلك البرنامج لا تنطبق على العربية السعودية ولكنه طلب من السفير البريطاني في واشنطن أن تقوم بريطانيا بعملية الإقراض ويتم الدفع بطريقة غير مباشرةً من واشنطن . استغلت بريطانيا كونها من تقدم المساعدات لابن سعود حتى ولو أنها كانت أمريكية المصدر وزاد ذلك من نفوذها على حساب نفوذ الولايات المتحدة . عبر رئيس الشركة الكاليفورنية ديفيس في شهادة له أمام أعضاء لجنة الدفاع كالآتي “كنا نشعر طول الوقت أن المساعدات المالية التي تقدمها بريطانيا ومصدرها الولايات المتحدة لكنها  تزيد من نفوذ بريطانيا لدى السعودية على حسابنا ونحن كشركة دائماً كنا نعتقد أن الولايات المتحدة كان يجب أن تستعمل تلك المساعدات لزيادة نفوذ الولايات المتحدة” . أدخلت الشركة الكاليفورنية شركة تكسكو شريكاً لها في امتيازها في العربية السعودية وغيرت اسم الشركة ليصبح أرامكو أي شركة الزيت العربية الأمريكية.  وأعلن رئيسا الشركتين عن خوفهما من سرقة بريطانيا لامتيازهما لنفط السعودية خصوصاً عندما علما بنية بريطانيا فتح بنك في جدة يصدر أوراق النقد السعودية مما يعني تبعيتها إلى منطقة الإسترليني وصعوبة عمل أرامكو بالدولار وكشركة أمريكية .

في شهر يناير 1943  قررت الشركة أن تجدد سعيها لإقناع حكومة الولايات المتحدة بالمساعدة المباشرة للسعودية عن طريق برنامجlend lease وقد وجدوا في وزير الداخلية هارولد ايكس مسانداً خصوصاً كونه مدير شؤون النفط للحرب . رئيس شركة سوكال الشريك الأول في امتياز النفط السعودي Harry D. Collier و S. S. Rogers  رئيس شركة تكسكو الشريك الجديد في ارامكو قابلا ايكس وأخبراه للمرة الأولى بأنهما يعتقدان أن مخزون النفط في السعودية هو الأكبر في العالم وأن شركاتهما في خطر خسارة ذلك المصدر الهام إلى بريطانيا خصوصاً وأن شركاتهما لاحظتا إرسال بريطانيا إلى السعودية  بعثةً كبيرة ومعها حماية أمنية كبيرة بحجة مكافحة الجراد ولكنها كانت تحتوي على العديد من الجيولوجيين الانجليز . وتمّ إقناع ايكس بأن عملاً مستعجلاً قد أصبح ضروريا لصد خطر خسارة امتياز السعودية للانجليز .  وطلب منهم ايكس أن يقدموا له دراسة مستعجلة من النقاط الهامة ليبحثها مع الرئيس روزفيليت.  قام روجرس بتقديم المعلومات المطلوبة لايكس مطالباً بشمل السعودية ضمن برنامج    lend lease لمجابهة النفوذ البريطاني.

اقتنع ايكس بضرورة تقديم مساعدة للسعودية ضمن برنامج (Lend – lease) وقابل وزراء البحرية والحربية والخارجية وكبار المعنيين وأبدى وجهة نظره بضرورة مساعدة السعودية مباشرةً وأبدى قناعته بسعي بريطانيا لامتلاك امتياز النفط في السعودية خاصةً وان الحكومة البريطانية كانت تمتلك احتياطات نفطية كما في إيران مثلاً . واجتمع ايكس مع الرئيس روزفيليت بتاريخ 16/2/1943 وفي 18/2/1943 أرسل الرئيس روزفيليت إلى مدير برنامج (Lend – lease): “… لمساعدتك في إقرار شمل المملكة العربية السعودية ضمن برنامج (Lend – lease) فانا أقرر هنا بأن الدفاع عن المملكة العربية السعودية هو من ضروريات الدفاع عن أمن الولايات المتحدة الأمريكية . ” وهكذا نجحت شركات النفط بجعل الولايات المتحدة تتحمل مساعدة ابن سعود بدلاً منها .

ومن هنا بدأت وجهات النظر بين الحكومة الأمريكية وشركات النفط تذهبان إلى طريقين مختلفين . فبحلول حزيران 1943 أصبح لدى ايكس قناعة بضرورة أن تستملك حكومة الولايات المتحدة مخزون النفط السعودي كما كانت تتملك بريطانيا احتياطي نفط إيران عبر شركة حكومية يتم تأسيسها لهذا الغرض ، على أن يتمّ إبرام اتفاقية ما بين الحكومة الأمريكية وشركة أرامكو لتقوم أرامكو كمشغل لمنشآت  الشركة الحكومية الأمريكية التي ستتملك احتياطات النفط السعودية. وبعد اجتماعات للإدارة الأمريكية المتكررة وأخذ موافقة المعنيين تمّ إشهار شركة الاحتياطات النفطية Petroleum Reserves Corporation  في 30/6/1943 لاستملاك احتياطات النفط السعودي . تمّ تعيين هارولد ايكس رئيساً للشركة كما تمّ تعيين وزراء الخارجية والحربية ورئيس الأركان المشتركة أعضاء في مجلس إدارتها . وتمّ تعيين Abe Fortas سكرتيراً للشركة ( وهو يهودي).

رفضت إدارة الشركات المالكة لأرامكو فكرة بيع 100% من أسهمها للشركة الحكومية وقبلت في البداية بيع جزء من تلك الحصة . وبينما أصبحت نهاية الحرب الثانية في الأفق أعلنت تلك الشركات رفضها لعملية البيع واستعملت اللوبي القوي التابع لها في الكونغرس الأمريكي مدعيةً أن الشركات ستكون أداةً لتنفيذ البرامج اللازمة للولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية وأن تأميم الشركات كما هو مقترح يتنافى مع التقاليد الأمريكية . وكالعادة كانت الشركات ولوبياتها أقوى من الحكومة التي هي لخدمتها وليس العكس.

كان أول اجتماع يعقده الرئيس روزفيليت (بعد مؤتمر يالطا والذي تم تقسيم مناطق النفوذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء المنتصرين ) مع الملك عبد العزيز آل سعود على ظهر الباخرة كوينسي : Quincy في 14فبراير 1945 وبمقتضاه تم الاتفاق بمقايضة سياسة النفط السعودية سواء من التحكم في كمية الإنتاج وما ينتج عن ذلك من تحكم بالأسعار وبالإضافة إلى التحكم  بالعوائد النفطية لتتماشى مع المصالح الأمريكية مقابل حماية الولايات المتحدة للنظام السعودي القائم .

نسأل هنا:
هل قيادة السعودية لإغراق الأسواق وهبوط أسعار النفط لأكثر من النصف وتدمير الذات كان قراراً سيادياً أم أمريكياً؟

ونسأل أيضاً هل من يستثمر 460 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي مجدداً إضافة إلى مئات الملايين الأخرى كأوراق خزانة لسداد ديون الولايات المتحدة بحاجة إلى 75 مليار دولار ليبيع جزء من جوهرة اقتصاده أرامكو؟

ونسأل هل كان خصخصة أرامكو قراراً سيادياً أم أمريكياً؟  أم أنه نتيجة توصيات قتلة اقتصاديين ضمن فريق  دراسة خطة بن سلمان 2030  ؟

ونتسأل هل خصخصة أرامكو كان الطبعة الجديدة موديل 2016 لاستيلاء الولايات المتحدة على إحتياط نفط السعودية  بدل خطة 1943 المبينة أعلاه؟

وأسأل أيضاً إذا نتج عن قرار إغراق الأسواق وهبوط الأسعار إلى عجوزات بميزانية السعودية وخفض أسعار الماء والكهرباء ومحروقات الأخرى على المواطن الأمريكي نتيجة ذلك يقابله عجوزات ميزانية السعودية رفع أسعار المحروقات بما فيها البنزين وكذلك زيادة أسعار الماء والتقشف التي شملت المواطن السعودي فهل كان إغراق الأسواق مصلحةً أمريكية أم سعودية ؟

لإنجاح خطة بن سليمان 2030 أو إي خطة تنموية نحتاج إلى 5Ms . الــM الإولى هي الإدارة (Management) والــM الثانية وهي المال (Money) والإدارة الجيدة تستطيع أن تحصل عليها حتى من الأسواق العالمية المتعطشة إلى الاستثمار بالمشاريع الجيدة والإدارة السيئة كما نرى في عالمنا العربي تهدر الأموال وتبددها . والــM الثالثة الماكينات والآلات (Machinery ) وهذه أسهل النقاط . أما الــM  الرابعة فهي الاسواق(Markets ) وأمرها سهل نسبياً أما الــM الخامسة فهي القوى العاملة المدربة الكفؤة وهذه هي التي تكون عماد أي خطة .

فهل يا ترى تتوفر العناصر الخمسة لنجاح تلك الخطة في الوقت الذي تقوم به الدولة بطريقة غير منهجية ولا مدروسة لمحاولة خلق بيئة طاردة للكفاءات قبل تحضير وتدريب وتأهيل بدائلها ؟
  مستشار ومؤلف وباحث

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/09/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد