آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الحي زلوم
عن الكاتب :
مستشار بارز لشؤون البترول منذ أكثر من 45 سنة. أنهى دراسته الجامعية الاولى والعليا في الهندسة والادارة من جامعات تكساس، لويزيانا، كاليفورنيا، و هارفرد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. عمل في الولايات المتحدة واوروبا. كما ساهم في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات البترول الوطنية العربية في الخليج والعراق وافريقيا،

لو ظن المطبعون مع الكيان المحتل أن ذلك سيزيدهم قوة فهم مخطئون.. 

 

د. عبد الحي زلوم
 
من في عمري عايش نصف فترة الانتداب البريطاني الذي جاء لبناء دولة لليهود في فلسطين، وعاش ليرى جيوشاً كان قادتها من الانجليز المعارين من جيش الإنجليز ل(يحرروا) ما قام جيشهم ببنائه ! ‌‏وعشت رجبا ‏لأرى عجبا ‏من بعض أولياء أمورنا يقولون لنا ان لليهود  حق في اغتصاب ارضنا، وكما يقول الشاعر: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحُسام المُهندّ.
جاءت حرب 1948 ‏والذي يصر والدي طول حياته أنها كانت مؤامرة ولم تكن حرباً، ‏حين تخرجت من الثانوية وكان عمري حوالي 17 سنة قال لي والدي أنصحك أن تدرس في الولايات المتحدة لانه لو تم احتلال ‏ما تبقى من القدس وفلسطين فلن نستطيع أن نرسل لك مصروفك لو كنت في بلد عربي، ‏لست أدري من أين أتت قناعة والدي هذه لكنها كانت يقيناً وليست قناعة فقط، لكنه كان يقول اللهم ولي  عليهم أتيسهم، فلما سألته لماذا يكرر ذلك اجابني (لأنه مفيش فايدة في جماعتنا).
‏ذهبت إلى الولايات المتحدة سنة 1954 وكان الانتقال من القدس اليها كالانتقال من الارض الى المريخ وكانت كل دراستي الجامعية هناك، ‏ولكي لا أعطي انطباع ان والدي كان قارئ فنجان أو مُحلل سياسي أو سوبرمان فواقع الأمر انه كان رجلا عادياً، كان والده أستاذ مدرسة ارسلته الدولة العثمانية لاحدى حروبها فأصيب بها، ولان والدي كان اكبر ابناءه فقد خرج من المدرسة بعد ان تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن كما كان الحال في تلك الايام  وتولى مسوولية العائلة.
‏ليس المقصود هنا أن أكتب سيرتي الذاتية ولكن أريد أن أكتب التاريخ كما شاهدته في قضيتنا، ولكي لا أطيل دعني أنتقل الى المؤامرة الاخرى سنة 1967.
***
العودة الى  القدس:

قبل حرب (الست ساعات) سنة 1967 كنت في لوس انجلوس كاليفورنيا أثناء تصاميم اول تكنولوجيا في صناعة النفط في العالم (التحطيم الهيدروجيني) والتي يمكن بواسطتها تحويل النفط              الثقيل او المنتجات النفطية الثقيلة الى منتوجات خفيفة ذات جودة عالية وحسب الطلب كمًا ونوعا، بعد انتهاء المشروع رجعت الى الوطن العربي مع عائلتي والتي كانت آنذاك من زوجتي وولدين، مررنا عن طريق شتوتغارت بألمانيا حيث اشتريت سيارة مرسيدس S 220 وقدتها الى البندقية (فينيسيا) حيث شحنتها الى بيروت وذهبت مع عائلتي في اجازة الى القاهرة ثم الى بيروت حيث استلمت السيارة وقدتها الى القدس.
كانت الاجواء متوترة جدا، سألني والدي هل تظن ان هناك حرب قادمة؟ فقلت له نعم، فقال لماذا تعتقد ذلك؟ قلت لان هناك بعض القرائن اذا تم ربطها مع بعض تعطيك الجواب، فقال وما هي؟ اجبته انني شاهدت على اخبار المساء وزير الدفاع الإسرائيلي الاسبق موشي ديان وهو يدخل الى البنتاغون محاطا بالصحافيين وهو يشيح بيده ووجهه عنهم قائلا انا اليوم صحفي ولست مسؤولا فلذلك ليس لدي اي تعليقات، ثم قال المذيع أن ديان ذاهب الى فيتنام لينقل تفاصيل عن الحرب هناك والتنسيق بين العمليات الجوية والمدرعات، وكذلك عن حرب المقاومة والعصابات، رأيته بعد شهر (لربما ديسمبر 1966) بنفس المنظر ، يحاط بصحفيين ولم يقل اكثر من اني سأرسل تقريرا عن مشاهداتي الى صحيفتي . في تلك الاثناء قرأت في احدى اكبر المجلات الاسبوعية عن اخبار النفط  والغاز وهي  Oil and Gas Journal  أن وزارة الخارجية الامريكية طلبت من شركات النفط الكبرى أن تعيد للخدمة ناقلات نفطها العملاقة التي لا تعبر قناة السويس لضخامة حمولتها وإنما تسير عن طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب افريقيا، وفي اسبوع لاحق كتبت نفس المجلة ان آل روسشايلد قد دفعوا ثمن دراسة لمد انبوب نفط من خليج العقبة ( ايلات ) الى البحر الابيض المتوسط لتجنب مرور ناقلات  النفط عن طريق قناة السويس، وقلت ان الآتي يعني اغلاق قناة السويس نتيجة حرب قادمة، في اليوم التالي اشتريت مجلة تايم، سألني الوالد وما الاخبار؟ قلت له انهم يقولون انه في حالة حرب بين اسرائيل وجيوش جيرانها  الثلاثة فإن تقييم البنتاغون ان اسرائيل ستهزمهم في اقل من اسبوع، فكر الوالد قليلا وقال، ضحك علينا الامريكان أيضا واعطونا نصف مليون دولار بحجة تطويل مدرج مطار القدس، وتم تحويل  كل الرحلات منه واليه الـى مطار ماركا بعمان وبذلك تم إغلاق المجال الجوي فوق الضفةالغربية قبل بدء الحرب بأسابيع او شهور قليلة، فكر والدي قليلا وأضاف “والله لو هدموا بيوتنا فوق رؤوسنا لن نتركها”.
بعد ذلك توجهت الى الكويت حيث اصبحت مديرا لعمليات اول مصفاة تكرير لشركة البترول الوطنية الكويتية والتي كانت احدث مصفاة للتكرير في العالم.

***

العودة للقدس ثانية:
توفي والدي رحمه الله بعد حوالي سنتين من الاحتلال، ونتيجة الى الظروف آنذاك كان علي ان أزور بلدي بتصريح من محتل، من الصعب ان اصف شعوري لكنه كان مزيجا من الغضب والحُزن، عند وصولي الى القدس قمت بزيارة قبر والدي وجدي وبعض الرسميات الاخرى.

كان لوالدي أخ واحد وكان أيضاً تاجراً للأقمشة في القدس ولديه مشغل للملابس النسائية في رام الله، قال لي انه ذاهب الى تل أبيب في الغد وعنده زبون يهودي لبناني يشتري منه الملابس وسألني اذا اردت ان ارافقه لأرى فلسطين المحتلة سابقا فقلت له ولم لا؟ ذهبنا في اليوم التالي اولا الى يافا حيث تناولنا الغداء في مطعم يونس، عند دخولنا تل ابيب فاجئني يهودي عراقي في الشارع الرئيسي كان يدفع عربة خضار وكان يغني بأعلى صوته مواويل عراقية، ثم وصلنا الى حيث اللبناني اليهودي، أول ما بدأ الكلام قلت لنفسي لو كان هذا الرجل في القاهرة او في الرياض او في دمشق او في اي قطر عربي لن يستطيع احد ان يفرق ويعرف انه يهودي من الكيان المحتل ولربما يصبح رئيس دولة عربية كما كاد ان يصبح ايلي كوهين عميل الموساد رئيساً لسوريا!  سألته بعد ان قال انه يشتاق الى ايام لبنان الجميلة فقلت له لماذا تركتها إذن؟ فأجاب دعني اجيبك بهذه القصة: جاء والي أيام الدولة العثمانية الى بلاد الشام فسأل احدهم في دمشق من الذي جاء بي، الله ام السلطان، فقال له الله، فقال اقطعوا رأسه فهو غير موالي للسلطان، ثم ذهب الى بيروت وسأل نفس السؤال فأجابه المسؤول الذي جاء بك هو السلطان، فقال اقطعوا راسه فإنه ملحد، ذهب الى حلب وسأل احدهم من الذي جاء بي، الله ام السلطان، وكان الشخص قد سمع ما حدث بدمشق وبيروت فأجابه: ياريت ما جيت ولا بعتك الله ولا السلطان. فقال لي اليهودي اللبناني ياريتك ما جيت ولا الله جابني ولكن الظروف حكمت.
استأجرت سيارة في اليوم التالي واخذت العائلة والاولاد لزيارة شمال فلسطين بدءا بحيفا والجولان، نزلنا في فندق دان DAN على رأس قمة جبل الكرمل، من شرفة الغرفة أؤكد ان منظر خليج حيفا كان لوحة من الجمال لم ارَ لها مثيلا، ومن شرفة تلك الغرفة ايضا يمكن رؤية حدود لبنان، ذهبنا الى طبريا وأخذنا قاربا قاده يهودي تونسي، نفس ما قاله اللبناني قاله التونسي مضيفا ان اليهود الشرقيين مضطهدون وكأنهم درجة ثانية.
 ذهبنا الى الجولان، ومن الصعب على العربي (اي عربي) اي يذهب الى الجولان دون ان يعتصره الغضب والحزن والالم وهو يصعد إلى قمة هضبة الجولان ويرى استحالة احتلال تلك المنطقة من أي جيش في العالم لو كان هناك قلة من المقاومين الا عن طريق خيانة عظمى، كانت الاستحكامات الاسمنتية تحت الارض لا تخترقها اقوى قنابل تلك الايام، كم كان منظر لافتة حديدية امام معسكر جيش سوري محطمة ومكتوب عليها (امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)! لكن الخيانة بدأت ببلاغ عسكري من راديو دمشق ادعى سقوط مدينة القنيطرة التي كانت خلف صفوف الجيش السوري قبل ان تطأ اي قدم صهيوني ارض الجولان.


***
انها سرقة وطن:

قبل ان نغادر القدس أخبرت زوجتي والدتها انها تحب زيارة بيتهم الذي ولدت فيه في القدس المحتلة سنة 1948، ذهبت مع والدتها الى بيتهم الذي بني بطراز هندسي انيق في عشرينيات القرن الماضي. طرقوا الباب بهدوء، فخرجت من داخله يهودية، قالت والدة زوجتي بكل ادب، هذه ابنتي ولدت هنا وهي ترغب فقط برؤية مكان ولادتها وغرفتها، فقاطعتها اليهودية بشراسة قبل ان تكمل جملتها بسيل من الشتائم ما لا قبله ولا بعده وبعبارات وألفاظ منحطة من فوق الحزام ومن تحته، فسارعتا بالرجوع، وهنا اقول اعوذ بالله من شرّ بعض ساستنا من الذين كانوا شركاء في جريمة سرقة وطن بارك الله من حوله، لم يبق لأصحاب البيت الذي ارادوا فقط ان يزوروا مكان ولادتهم سوى صورة واحدة تم اخذها وهي في ادنى المقال .وبالمناسبة فإن ارض مجمع مستشفى هداسا  الكبير في عين كارم بضواحي القدس هو ارض جدها  المغتصبة.


اتمنى ان يتوب المطبعون قبل ان يأتي يوم لا تقبل فيه توبة ولا شفاعة!

***
 الكيان المحتل يحمل بذور فنائه:
محاولات التطبيع والتحالف  مع هذا الكيان هي تحالف ما بين ( المتعوس وخائب الرجاء ) . هذه الحقائق الموضوعية تثبت دقة هذا القول:
 • عوامل الفناء الداخلية:
 • فأولاً، فهو مجتمع متطرف وعنصري واستعمار استيطاني أثبت التاريخ فشل امثاله كما في الجزائر وجنوب افريقيا.
 • وثانياً، منذ نشأة الكيان وحتى اليوم فكل حكومة كانت اكثر تطرفا من التي سبقتها.
 • وثالثاً، انتقل الحكم من الاوروبيين ( الاشكيناز ) الاكثر تطورا ومدنية الى حثالة من جاءوا من الاقطار العربية والافريقية وهم يكوّنون الاغلبية اليوم.
 • ورابعاً، الديمغرافيا ستكون خنجراً في قلبهم فالعرب الفلسطينيون يمثلون الأغلبية السكانية في فلسطين ما بين النهر والبحر.

• خامسا يشكل العرب اليوم 20% من داخل الخط الاخضر، ويشكل اليهود الحريديم ايضآ 20% وهما الاكثر انجابا وستصبح نسبة هؤلاء المجموعتين اكثر من 55% بعد 15 سنة وكلا المجموعتين لا تؤمنا بوجود دولة يهودية، فاليهود الحريديم يعتقدون ان الصهيونية التي جاءت قبل أوانها هي خارجة عن النصوص التوراتية، ولو أضفنا إلى ذلك 10% من المعتدلين لأصبح تقريبا ثلثي السكان ثقافتهم وعقيدتهم تتناقض تماما مع المتطرفين الذين يزدادون قوة يوما بعد يوم، وهذا التناقض بدأ يبدو واضحا اليوم بحيث ان ثلاث انتخابات  لم تستطع ان تنتج حكومة، بقدر ما كان نتنياهو بارعاً في تكتيكات السياسة بقدر ما كان غبياً استراتيجياً سيسجل التاريخ ان  سياسته المتطرفة  كانت من سيعجل نهاية الكيان.
وبحسب الشرطة الاسرائيلية فهو نصاب و محتال ومرتشي، وحسب جريدة هارتس فقد قال لمؤيديه انه سيقوم بعصيان مدني إذا قامت المحكمة العليا بمنعه من الترشح لرئاسة الوزراء، اوليس ذلك هو بداية حرب أهلية؟

 • اما أسباب الزوال الخارجية:
 • اولا ألغت المقاومة بل أسقطت عقيدة جيش العدوان التي بني عليها وهي الحروب الخاطفة وأرض المعركة في ارض العدو، كما ان حليفه الاستراتيجي اي الولايات المتحدة هي اليوم مأزومة ومشغولة بنفسها وأحاديتها في انحدار.

والخلاصة:
‏مشروع الكيان الاستيطاني الاستعماري في فلسطين  لا يستند إلى أي أسس تاريخية أو سياسية أو دينية وإنما يستند الى مطامع إمبريالية.‏
واذا كان لليهود حق  في فلسطين ‏فإن لهم الحق في خيبر، واذا قبل بذلك البعض فنحن لا نقبله، الم تقل رئيسة الوزراء السابقة جولدا مائير عندما وقفت على خليج العقبة في مدينة أم الرشاش الفلسطينية والتي أعيد  تسميتها بإيلات: “إني أشتم رياح خيبر”!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/04/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد